التربية والتكوين طريقنا للتمكين – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة
مما لا شك فيه أن التربية الصحيحة والرعاية السليمة والتعهد الحقيقي هي المنهجية الأساسية في بناء جيل قادر على التغيير والنهوض ومواكبة العقبات وصولاً إلى التمكين، وهذه المنهجية قرآنية المصدر محمدية الهدي، فالقرآن ظل يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة ليربي الفئة المؤمنة والجماعة المسلمة الأولى على العقيدة الصحيحة، التي تهيئها لمواجهة الصعاب وتحمل عقبات الطريق من أجل التمكين لدين الله وإقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة، والتي منها خرجت جيوش المؤمنين لفتح البلدان والأمصار ونشر الدين في بقاع الأرض وهزيمة أعتى وأقوى قوتين على الأرض في ذلك الزمن وهما الفرس والروم.
وهذه المنهجية هي التى أكد عليه الإمام البنا في مشروعه الفكري والدعوي والتربوي، واعتبر البناء الحقيقي في طريق النهوض الحضاري هو بناء وتكون الإنسان، حيث أورد في رسالة (هل نحن قوم عمليون؟): «ولكن الأمم المجاهدة التي تواجه نهضةً جديدةً وتجتاز دور انتقال خطير، وتريد أن تبني حياتها المستقبلة على أساس متين يضمن للجيل الناشئ الرفاهة والهناءة، وتطالب بحق مسلوب وعز مغصوب،.. في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة، حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات ويتغلبوا على ما يعترضهم من مصاعب.» ثم يواصل الإمام البنا حديثة حول أهمية تربية وبناء الرجال الذين هم سر نهضة الأمم، فيقول: «إن الرجل سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها، وإن تاريخ الأمم جميعاً إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات، وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة، وإني أعتقد – والتاريخ يؤيدني – أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمةً إن صحت رجولته.»
ولأن دعوتنا دعوة التربية والبناء والتكوين وفق منهجية التدرج والاستمرار، فقد أكد الإمام حسن البنا في أكثر من موضع في تراثه الزاخر حول هذا المعني: فيقول – رحمه الله -: «أيها الإخوان: إنكم دعاة تربية، وعماد انتصاركم إفهام هذا الشعب وإقناعه وإيقاظ شعوره من كل نواحيه على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام ومبادئ الإسلام. وهذه غاية لا تدرك في أيام ولا تنال بأعوام قليلة، ولكنه الجهاد الدائب والعمل المتواصل، ومقارعة جيوش الجهالة والأمية والمرض والفقر والأحقاد والأضغان وخفة الأحلام وتقطيع الأرحام، وتنظيف رواسب قرون عدة سرى الفساد فيها إلى كل مكان. أفترون أو يرى الناس أن هذا أمر يسير؟». مذكرات الدعوة والداعية
كما ورد عن الإمام البنا في مواضع عدة ما يبين ويؤكد هذه الجانب في طبيعة الدعوة، فتراه يقول: «كونوا أنفسكم تتكون بكم أمتكم»، ويقول: «إن معركتنا معركة تربوية»، وقال أيضًا: «أيها الإخوان: إنكم في دور تكوين فلا يلهيكم السراب الخادع عن حسن الاستعداد وكمال التأهب، اصرفوا تسعين جزءًا من المائه من وقتكم لهذا التكوين وانصرفوا فيه لأنفسكم».
وحول قضية التربية وأهميتها على طريق الدعوة، كتب الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله -: «فلا يصح الإقلال من شأن التربية وإرساء العقيدة في النفوس؛ لتخريج النوعية التي تخلص وتتحمل وتضحى وتجاهد وتثبت وتلتزم الصف، كما لا نقلل من شأن التنظيم والحب والترابط والأخوة في الله، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا،(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَأنٌ مَّرْصُوصٌ)(الصف:4).»
وفى السياق ذاته يقول الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله -: «لقد أثبتت الأحداث والأيام أنه بقدر الاهتمام بالتربية تتحقق الأصالة للحركة، واستمراريتها ونموها، ويكون التلاحم بين الأفراد ووحدة الصف، وعكس ذلك إذا أهمل جانب التربية أو حدث فيه تقصير، يظهر الضعف والخلخلة في الصف، ويبرز الخلاف والفرقة ويتضاءل التعاون ويقل الإنتاج».
ولما سئل الأستاذ محمد العدوى – رحمه الله -، عن أهم ما تتصف به جماعة الإخوان المسلمين؟، فكان جوابه: «هي جماعة التربية».