التضحية العزيزة – د. محمد حامد عليوة

التضحية العزيزة –  د. محمد حامد عليوة

لما كانت الدعوة لا تحيا إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بتضحية، فقد وجبت التضحية، وحرم القعود والبخل ولحق صاحبه الإثم، فقد قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة 24.

وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة 38،39)، وقال تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ ۖ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد:38)، وقال عز وجل: (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح:16)

التضحيات معراج الدعوات
كل دعوة حق أو فكرة صدق لابد لها فى طريق الوصول من فتن وعقبات، وصوارف ومنعطفات، حتى تنجلي معادن الرجال وتتمايز الصفوف وتتحقق الصفات.
ولأن السير يستلزم البذل فلا بد من التضحيات فهي معراج الدعوات، ولا بد من الصبر والثبات فبهما تنكشف الكربات، وقبل ذلك كله تعلق القلوب برب الأرض والسموات، عندئذ تتنزل البركات، وتتحقق الفتوحات، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت 69.

ولقد أدرك الإمام الشهيد حسن البنا هذه المعاني، وعلم العاقبة الوخيمة التي تنتظر القاعدين، لذلك أعلنها بكل قوة ووضوح وصراحة أن «من قعد عن التضحية معنا فهو آثم»، فكيف لا وقد توعدهم الله ووصفهم بالفسق، كما توعدهم بالعذاب الأليم والاستبدال أكثر من مرة.

ومن وصاياه النورانية التي نشرت في مقال تحت عنوان (وصايا المرشد العام): «يا أخي، إنما تنهض الأمم بالتضحية، وتقوم الدعوات على الوفاء، فإن كنت تعيش لأمتك فضحِّ في سبيلها، وإن كنت مؤمنًا بدعوتك فاجتهد في الوفاء لها.» (جريدة الإخوان – ديسمبر 1936م)

التضحية العزيزة
التضحية العزيزة مصطلح عرضه الإمام حسن البنا حين تحدث عن شروط تكوين الأمم وتربية الشعوب؛ حيث قال: «إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى (قوة نفسية عظيمة) تتمثل في عدة أمور»، ذكر الإمام البنا من بينها هذا الأمر:«تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل».

فما شروط التضحية العزيزة؟
لأن هذا الموضوع أحياناً يسوء فهمه؛ ويختل تطبيقه؛ وبالتالي لا يحقق مقاصده؛ وقد تزداد عواقبه.
وقد أوضح الإمام حسن البنا في مواضع عدة من تراثه الزاخر ما يضبط فهم الناس لمدلول التضحية ويجعلها في مسارها الصحيح؛ فتصبح تضحية عزيزة بحق؛ ومن ذلك:

1- ضرورة تخير الظرف المناسب لها: بمعنى أن التضحية العزيزة لها ظرفها الزماني والمكاني الأنسب الذي لا بد أن نترقبه ونتحينه.
2- استخدام منتهي الحكمة فيه: بمعنى إذا لاح الظرف المناسب للتضحية لا بدَّ أن تكون التضحية حكيمة تنظر في المقاصد والمآلات وتراعى الواقع والطاقات.
3- إنفاذها على نحو أخف ضررًا؛ وأبلغ في الدلالة على المقصود: بمعنى إن كان لا بدَّ منها في هذا الظرف المتاح مع احتمال وقوع الضرر. فلا بد من إنفاذها على النحو الأخف ضررًا؛ بطريقة أبلغ وأيسر في الوصول إلى المقصود من التضحية.

أما إذا كانت التضحية غير منضبطة بضوابط ترشدها؛ ومبادئ تحكمها؛ وحكمة تنظر في مآلاتها؛ فقد تتحول كما قال الإمام الشهيد حسن البنا إلى: «تحدٍ لم يأتي وقته».

يتعرض الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – إلى هذا المعني، عنما تتوفر الحماسة للعمل والرغبة فى التضحية دون نظر إلى ضوابط ومألات ذلك، فيقول: «أن الحكمة والرؤية وطول النفس من سمات الرجولة، والتسرع والاندفاع وقصر النفس من سمات الطفولة وعدم الاكتمال. وطريق الدعوة أحوج ما يكون إلى رجال مؤمنين يقدرون التبعة ويُعالجون المواقف بحكمة، ويتحملون ويثبتون ولا يتغيرون ويتبدلون مع الأحداث، وصدق الله العظيم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب 23».

ويقول أيضا فى هذا السياق: «نريد حماسًا مبصرًا متجددًا منضبطًا، نتحكم فيه ولا يتحكم فينا فيورطنا فى ما لا يُفيد الاسلام من مواقف، نريد الحماس العاقل والحيوية المتدفقة المتجددة لا تلك التى تظهر وتختفى، ونريد القوة المبصرة لا الاندفاع الأعمى.

أما الشباب أصحاب الحماس غير المنضبط، وقصيرو النفس فيندفعون في أعمال هوجاء دون استفادة من خبرة وتجربة من سبقوهم على الطريق، ويظهر الحماس في صورة فورات تطفو ثم تختفى، فهذا ضرره أكبر من نفعه، ولا يصمد طويلًا وقد يتسرب له اليأس إذا لم يرى نتائج سريعة لعمله».

من هنا وجبت التضحية ووجب الفداء لنصرة الحق والعمل لدين الله، شريطة أن تتوفر شروط التضحية العزيزة. نسأل الله أن يرزقنا البصيرة على الطريق. والحمد لله رب العالمين

0 Comments to “التضحية العزيزة – د. محمد حامد عليوة”

  • zadussaerin

    التضحية العزيزة

    لما كانت الدعوة لا تحيا إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بتضحية، فقد وجبت التضحية، وحرم القعود والبخل ولحق صاحبه الإثم

اترك تعليقا