التضحية في سبيل تحقيق الغاية

التضحية في سبيل تحقيق الغايةالإمام حسن البنا

كتب الإمام حسن البنا – رحمه الله -، في مذكراته (*) كلامًا مؤثراً في التجرد للغايات الكبري، والتضحية بالمنافع الشخصية من مراكز وألقاب ومناصب من أجل الغايات والمبادئ، وقدر ورد ذلك تحت عنوان: (فلنضح بالمراكز والالقاب إذا ساعد ذلك على تحقق الغاية)، فقال – رحمه الله:-

هبك مسافراً على سطح البحر إلى جهة معينة بقصد الوصول إليها، ومعك قوم غايتهم الوصول إلى تلك الجهة، فأنتم جميعا تقصدون غاية واحدة وتشتركون معا في قطع الطريق إلى هذه الغاية. الليل مظلم والسماء حالكة والبحر هائج، وظلمات بعضها فوق بعض، (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)) النور، والسفينة تكاد تصطدم بما يعترض سبيلها من صخور عظام وتوشك أن تشق طريقا وعرا لا يوصل إلى غاية ولا يهدي إلى سبيل، فظلام الليل ووحشته تزيدان الموقف حروجة وشدة والعواصف والأنواء تكاد تقذف بالسفينة إلى هوة سحيقة والموقف أقسى من أن تظل أمامه الأيدي مكتوفة ومهمة القيادة أخطر من أن يقوم بها غير ربان ماهر عارف بأصول الطريق عالم بالسهل منه والوعر مخاطر إلى أبعد حدود الخاطرة مضح إلى أسمى غايات التضحية مؤمن بغايته حق الإيمان لا يثنيه عن الوصول إليها بعد الشقة ولا كثرة المعوقات.

من كان يؤمن إيمانا بدعوته .. أجابه الفلك الدوار آمينا
ومن تكن خلصت لله نيته .. أصاب نجحا على الأيام مضمونا

وكنت أنت قائد الركب وربان السفينة وكاد أن يختلط عليك الأمر ويضل بك السبيل وفي اللحظة المحرجة والساعة الخطيرة كشفت أن بين القوم من يفوقك قيادة ويفضلك علما، أفلا يفرض عليك الحق والإيمان أن تتخلى له عن القيادة أم لا يملى عليك الواجب والضمير أن تترك الأمر لمن يقوم به خيرا منك، ثم تكون في طاعته فإن أمر أطعت وإن أشار فهمت؟
ثم لا يكون واجبه الا ينتظرك حتى تسلم إليه قيادة الركب بل يجب أن يسرع في إصلاح ما كدت تفسده وإدراك ما أوشكت أن تهمله.

في عقيدتي أن الغاية لا تعرف أشخاصًا ولا تحابي أحدًا، وأرى أن الذي يقوم في السفينة بعملية نزح الماء من قاعها إذا وقع الخطر، خير من الغر الأحمق الذي لا يعرف حدود نفسه، فتصدى للقيادة وهو لا يحسنها، فكان وبالا على نفسه وشؤمًا على قومه، فالأول عرف ما يحسن فقام به كما يجب وكانت نتيجته كبيرة وإن كان مظهره بسيطًا. والثاني أحب التصدر واستولى عليه داء الرياسة فأورد قومه ونفسه موارد الهلكة، ومثل هذا لا تتحقق على يديه غاية ولا يرجى من وراء عمله فائدة.

فلا يستغرب الناس من الإخوان المسلمين أن تتخلى شخصية كانت لها الصدارة حينما كان الموقف يحتاج ذلك وفي الوقت الذي لم يكن فيه من يقود غيرها لتسلم الزمام إلى من اصطفاه إخوانه لنشر المبدأ وفائدة الفكرة، فحقق ظن إخوانه وطار بالفكرة إلى سماء التضحية والخلود، وحلق بها في جو الإخلاص والعمل لتعمل هي في ميدان آخر من ميادين خدمة الفكرة العامة.
وليس بضاري شيءًا إذا كنت أحد هذه الشخصيات المتخلية عن مركزها في سبيل تحقيق الغاية والقيام بالواجب.

————–
(*) المصدر: كتاب (مذكرات الدعوة والداعية)، للإمام حسن البنّا.

اترك تعليقا