بين صفات الفرد وواجباته –  د. محمد حامد عليوة

بين صفات الفرد وواجباته    د. محمد حامد عليوة

إن المتأمل في كتابات الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله – يجد نفسه أمام رجل موفق من ربه، بدليل ما تتركه هذه الكتابات من أثر في نفس قارئها، فضلا عن عمق وثراء معانيها، وبساطة أسلوبها ومبانيها، وواقعية مراميها.

فتجده يؤصل القضايا، ويحلل عناصرها، ويشخص الداء، ويحدد الدواء، يبث في النفوس الأمل، ويحثها على الجهد والعمل. وتلحظ فيما كتب وسطر، أنك أمام داعية ومرب وفقيه ومجرب، أمام عالم أحسن النظر في كتاب الله وسنة رسوله وسيرة صحابته والتابعين، وملم بتجارب التاريخ والأمم.

خلاصة القول في هذا المدخل، إن كل ما سبق من فضل هو توفيق من الله لهذا القائد الرباني، ودليل على إخلاصه وتضحيته من أجل دعوته وفكرته، ولذلك كانت كلماته وكتاباته تنفذ إلى قلوب وعقول من يُعمل فيها النظر.
والأمثلة التي تؤكد ذلك كثيرة في كتابات الأستاذ حسن البنا، ولا سيما في مجموعة الرسائل، والتي نختار منها اليوم (علاقة صفات الفرد بواجباته) كما وردت في رسالة التعاليم.

حول رسالة التعاليم
تعد هذه الرسالة من أهم رسائل الإمام حسن البنا، فرغم صغر حجمها، إلا أنها تتضمن قضايا وتوجيهات أساسية في بناء هذه الجماعة والتكوين الفكري والتربوي لأبنائها، ولم تكن رسالة للعموم ولكنها كانت خاصة بالإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، وقد جاءت بعد عشر سنوات من عمر الدعوة، حيث صدرت في يوليو 1938م.

وتنقسم إلى مقدمة وخاتمة وبينهما محوران أساسيان، المحور الأول (أركان البيعة) والمحور الثاني (واجبات الأخ العامل). وكأن المحور الأول يمثل الأساس الفكري والمبادئ التي تقوم عليها هذه الدعوة، والمحور الثانى هو الأساس العملي والترجمة السلوكية لهذه الأركان والمبادئ العشرة.

وقد جعل الإمام حسن البنا الالتزام بهذه الواجبات من مقتضيات البيعة مع الحق سبحانه وتعالى، حيث قال في رسالة التعاليم: «أيها الأخ الصادق: إن إيمانك بهذه البيعة يوجب عليك أداء هذه الواجبات، حتى تكون لبنة قوية في هذا البناء»

بين صفات الفرد وواجباته
وقد أورد الإمام البنا في الركن الثالث، وهو (ركن العمل) سبع مراتب، تبدأ بالفرد وتنتهي بأستاذية العالم، وبالنظر في مرتبة الفرد نجد الإمام البنا يقول: «إصلاح نفسه حتى يكون: (قوي الجسم – متين الخلق – مثقف الفكر – قادراً على الكسب – سليم العقيدة – صحيح العبادة – مجاهداً لنفسه – حريصا على وقته – منظماً في شئونه – نافعاً لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته».

وهنا نقف أمام بعض المعاني والفوائد:
1- أن الأستاذ البنا ذكر (إصلاح نفسه)، الأمر الذي يدعونا إلى تقوية جانب التربية الذاتية لدى الأفراد، فلا بد للفرد من جهد مع نفسه لإصلاحها، ولا نقول إن المربى فقط هو المسئول الوحيد عن إصلاح الأفراد، ولكن لا بدَّ للفرد من جهد إصلاحي مع نفسه حتى يكسبها هذه الصفات.
2- شمول الصفات العشر لجميع جوانب وميادين التربية، مثل (التربية الإيمانية والعبادية – التربية الأخلاقية والسلوكية – التربية الثقافية والفكرية – التربية الاجتماعية – التربية السياسية – التربية الاقتصادية – التربية الجماعية التنظيمية.)، وهذا الشمول يبرهن على وعي الإمام البنا وصلاحية المنهج الذي يدعو إليه في ميادين الإصلاح والتغيير.

3- رعاية الصفات العشر لكل مكونات الشخصية الإنسانية (العقل – القلب – الجوارح)، وشمولها لمجالات الأهداف التربوية (المعرفية – الوجدانية – المهارية). فنجد فيها الصفات التي تُعنى بالعقل كـ (مثقف الفكر)، ومنها ما يُعنى بالقلب كـ (سليم العقيدة – صحيح العبادة)، ومنها ما يُعنى بالجوارح والسلوك كـ (منظماً في شئونه – نافعاً لغيره – ..)
4- ارتباط واجبات الأخ العامل بهذه الصفات العشر، وكأنها (أي الواجبات) مؤشرات على  تحقق الصفات في الفرد المسلم، ودليل عملي يمكن قياسه، ومُعين (حال الالتزام بها) على استكمال تحقق الصفات العشر في الفرد المسلم العامل. وهو ما سندلل عليه في ختام هذا المقال.

5- أن الأستاذ البنا اعتبرها (واجبات) ولم يسمها (توصيات) أو (توجيهات) أو (ممارسات)، وهو ما يشير إلى ضرورة الالتزام بتنفيذ هذه الواجبات، وأنها بالنسبة للفرد الذي قَبِلَ البيعة بأركانها العشر مُلزمة، بأن يحافظ عليها ويوجبها على نفسه. وهو ما أكد عليه الإمام البنا في مقدمة الرسالة حين قال: «وهي ليست دروساً تحفظ، ولكنها تعليمات تنفذ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون».

6- أن التفصيل في صفات الفرد، وتصدرها لمراتب العمل يدل دلالة قاطعة على مكانة الفرد في عملية التغيير والإصلاح، وأنه حجر الأساس في بناء الأمم ونهضات الشعوب، وهو القاسم المشترك فيما يليه من مراتب، فهو الوالد/ الوالدة في البيت، وهو عضو في المجتمع، وهو الوزير في الحكومة، وهو رئيس الدولة، وهو الخليفة، وبالتالي كان الاهتمام به وتربيته وتكوينه لهما أبلغ الأثر.

والجدير بالذكر هنا أن الإمام البنا في مواضع أخرى من تراثه ورسائله، كان يؤكد على أهمية بناء الفرد وتكوينه، وأنه أساس التغيير والإصلاح، ودون الفرد الصالح المصلح لا يمكن أن يتحقق الإصلاح والتغيير في الأمة. ومما أورده في هذا السياق:

«أيها الإخوان: العمل مع أنفسنا هو أول واجباتنا، فجاهدوا أنفسكم واحملوها على تعاليم الإسلام وأحكامه، ولا تتهاونوا معها في ذلك بأي وجه من الوجوه، وأقبلوا على الطاعة، وفروا من الإثم وتطهروا من العصيان، وصلوا قلوبكم ومشاعركم دائماً بالله الذي له ملك السموات والأرض، قاوموا الكسل والعجز، ووجهوا شبابكم ومشاعركم وعواطفكم إلى الفضيلة الطاهرة النقية، وحاسبوا أنفسكم فيه حسابا عسيرا، واحذروا أن تمر بكم دقيقة واحدة لا يكون لأحدكم فيها عمل طيب وسعي مبرور» توجيه بعد المؤتمر الخامس عام 1939

«ميدانكم الأول أنفسكم، فإذا انتصرت عليها كنت على غيرها أقدر، وإذا أخفقتم في جهادها كنت على سواها أعجز. فجربوا الكفاح معها أولًا، واذكروا أن الدنيا جميعا تترقب جيلا من الشباب الممتاز بالطهر الكامل والخلق القوى الفاضل، فكونوا أنتم هؤلاء الشباب». من مقال للإمام البنا
«كونوا أنفسكم تتكون بكم أمتكم».
«إذا وجد المسلم الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعا».
«أن الرجل الواحد في وسعه أن يبنى أمة إذا صحت رجولته». رسالة هل نحن قوم عمليون؟

نماذج لعلاقة الصفات بالواجبات:
أولا: صفة (قوي الجسم)
1- أن تبادر بالكشف الصحي العام وأن تأخذ في علاج ما يكون فيك من أمراض، وتهتم بأسباب القوة والوقاية الجسمانية وتبتعد عن أسباب الضعف الصحي. (الواجب رقم 3)
2- أن تبتعد عن الإسراف في قهوة البن والشاي ونحوها من المشروبات المنبهة، فلا تشربها إلا لضرورة، وأن تمتنع عن التدخين (الواجب رقم 4)
3- أن تعتني بالنظافة في كل شيء في المسكن والملبس والمطعم والبدن ومحل العمل، فقد بنى الدين على النظافة. (الواجب رقم 5)
4- أن تحسن الطهارة وأن تظل على وضوء غالب الأحيان. (الواجب 27)
5- أن تجتنب المسكر والمفتر وكل ما هو من هذا القبيل كل الاجتناب (الواجب 33)
6- أن تحارب أماكن اللهو فضلا عن أن تقربها، وأن تبتعد عن مظاهر الترف والرخاوة جميعا. (الواجب 35)

ثانيا: صفة (متين الخلق)
1- أن تكون صادق الكلمة فلا تكذب أبدا. (6)
2- أن تكون وفيا بالعهد والكلمة والوعد، فلا تخلف مهما كانت الظروف (7)
3- أن تكون شجاعا عظيم الاحتمال، وأفضل الشجاعة: الصراحة في الحق وكتمان السر، والاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس وملكها عند الغضب. (8)
4- أن تكون وقورا تؤثر الجد دائما، ولا يمنعك الوقار من المزاح الصادق والضحك في تبسم. (9)
5- أن تكون شديد الحياء دقيق الشعور، عظيم التأثر بالحسن والقبح تسر للأول وتتألم للثاني، وأن تكون متواضعا في غير ذله ولا خنوع ولا ملق، وأن تطلب أقل من رتبتك لتصل إليها (10)
6- أن تكون عادلا صحيح الحكم في جميع الأحوال، لا ينسيك الغضب الحسنات ولا تغض عين الرضا عن السيئات ولا تحملك الخصومة على نسيان الجميل، وتقول الحق ولو كان على نفسك أو على أقرب الناس إليك وإن كان مرا. (11)
7- أن تكون رحيم القلب كريما سمحا تعفو وتصفح وتلين وتحلم وترفق بالإنسان والحيوان، جميل المعاملة حسن السلوك مع الناس جميعا، محافظا على الآداب الإسلامية الاجتماعية فترحم الصغير وتوقر الكبير وتفسح في المجلس، ولا تتجسس ولا تغتاب ولا تصخب وتستأذن في الدخول والانصراف، الخ. (13)
8- أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك من حيث الاجاده والاتقان وعدم الغش وضبط الموعد.(17)
9- أن تكون حسن التقاضي لحقك، وأن تؤدى حقوق الناس كاملة غير منقوصة دون طلب، ولا تماطل أبدا. (18)
10- أن تجاهد نفسك جهادا عنيفا حتى يسلس قيادها لك، وأن تغض طرفك وتضبط عاطفتك وتقاوم نوازع الغريزة في نفسك، وتسمو بها دائما إلى الحلال الطيب، وتحول بينها وبين الحرام من ذلك أيا كان (23)
11- أن تبتعد عن أقران السوء وأصدقاء الفساد وأماكن المعصية والاثم (34)

ثالثا: صفة (مثقف الفكر)
1- أن تجيد القراءة والكتابة، وأن تكثر من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم ومجلاتهم ونحوها، وأن تكون لنفسك مكتبة خاصة مهما كانت صغيرة، وأن تتبحر في علمك وفنك إن كنت من أهل الاختصاص. وأن تلم بالشئون الإسلامية العامة إلماما يمكنك من تصورها والحكم عليها حكما يتفق مع مقتضيات الفكرة. (14)

رابعاً: صفة (قادرًا على الكسب)
1- أن تزاول عملا اقتصاديا مهما كنت غنيا، وأن تقدم على العمل الحر مهما كان ضئيلا، وأن تزج بنفسك فيه مهما كانت مواهبك العملية. (15)
2- ألا تحرص على الوظيفة الحكومية، وأن تعتبرها أضيق أبواب الرزق ولا ترفضها إذا اتيحت لك، ولا تتخلى عنها إلا إذا تعارضت تعارضا تاما مع واجبات الدعوة. (16)
3- أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك من حيث الإجادة والإتقان وعدم الغش وضبط الموعد.(17)
4- أن تخدم الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية، وأن تحرص على المال فلا تقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال، ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي. (21)

فى الختام: نسأل الله سبحانه أن يعيننا على التخلق بهذه الصفات، وأن نلتزم في حياتنا بهذه الواجبات
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

0 Comments to “بين صفات الفرد وواجباته –  د. محمد حامد عليوة”

اترك تعليقا