بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ

(بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ)(*) منحة في ظلال المحنة – للأستاذ إبراهيم منير – رحمه الله 

وأنت تقرأ في سورة المؤمنون قوله تبارك وتعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)) لتأتي الآية التي تليها قبل أن تتسلل نفثات الشياطين إلى من في قلبه خلل تنزيها للخالق سبحانه عز وجل (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)) لتطمئن قلوب المؤمنين وليعلم من يطغى في الأرض بغير الحق أن وعد الله نافذ وأن الموت والحياة ليس أمرا عبثا، وبهذه الروح يعيش المؤمن مطمئنا إلى وعد الله الحق، رب العرش الكريم، فقد مرت مثلها على رسول الله والفئة المؤمنة معه في حصار شيطاني أجمع عليه زعماء قريش وجعلوه اقتصاديا واجتماعيا وفي شعب من شعاب مكة وتعاهدوا على ذلك في وثيقة علقوها في جوف الكبعة بدأوها بكلمة (بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ).

وتمر ثلاث سنوات عجاف على رسول الله ومن معه يعانون الجوع والأذى ويأكلون من خشاش الأرض، وكان ابتلاءً للفئة المؤمنة التي يتم إعدادها لتحمل أعباء الرسالة، شاء الله سبحانه وتعالى أن ينهيها بسعي خمسة من أصحاب الضمائر الحيّة، ثم بمعجزة إلهية، أخبر الوحي بها رسول الله ونقلها له عمه أبو طالب قبل أن يراها المشركون، عندما تسللت حشرة يسمونها الأرضة إلى الوثيقة التي علقوها في جوف الكعبة وأكلت كل ما كتبه المشركون في هذه الوثيقة الظالمة إلا ما جاء في عنوانها (بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ).

هي المشيئة الإلهية التي تجري بها العدالة الربانية في الدنيا وفي الآخرة، تأتي ناصعة طاهرة بارقة في قوله سبحانه وتعالى في (سورة يوسف): (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)).

لوعة الفراق وأسى الفقد
نفوسنا لا تقل أسى على إخواننا الذين يرتقون شهداء يوماً بعد يوم عن أسى الصحابية الجليلة الخنساء لمقتل شقيقها، حين صرخت بلوعة وأسى

ولولا كثرة الباكين حولي .. على إخوانهم لقتلت نفسي

صرخة خرجت من قلب الصحابية الجليلة الخنساء (تماضر بنت عمر السلمي) قبل الإسلام عندما سقط أخاها صخر قتيلا تغمره الدماء وقد كان من سادات العرب، فما وجدت بعد مقتله في الحياة غير اللوعة والحزن التي لم تجد لهما شفاءًا مع انتكاسة الذكرى التي لا تبارحها.

يذكرني طلوع الشمس صخرا .. وأذكره بكل غروب شمس
يؤرقني التذكر حين أمسي .. فأصبح قد بُليت بفرط نكس
فيا لهفتي عليه ولهف أمي .. أيصبح في الضريح وفيه يمسي

وها نحن نعيش ذكرى أحبتنا ورفاق طريقنا الذين قضوا نحبهم على طريق الحق، في طلوع الشمس وغروبها، ونحتسبهم شهداء عند ربهم يُرزقون، ونكل الأمر كله لله ونقول دائماً (بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ).

الأخوة والأخوات:
نستكمل الآيات لنقرأ قول الله سبحانه وتعالى ووصفه ووعيده لمن يشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ليأتي قوله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)) (البقرة)، وهي بشرى كما وصفها صاحب الظلال عليه رحمة الله: «للمؤمن الصادق الذي يبذل نفسه كلها لمرضاة الله. لا يستبقي منها بقية. ولا يحسب لذاته حسابا في سعيه وعمله. بييع نفسه كلها لله. ويُسْلمها كلها. ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غاية إلا مرضاة الله. ليس له فيها شيئا. وليس من ورائها شيء. بيعة كاملة لا تردد فيها ولا تلفت ولا تحصيل ثمن. ولا استفاء بغية لغير الله».

الطريق طويل كل قطرة دم شهيد على الدرب وكل بسمة ترسمها شفتيه تقول لمن خلفه ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، وكل أذى يلقاه السائرون على الطريق قد مرّ به المرسلون والأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه وهم خير خلق الله أجمعين، وقد تسلمنا الأمانة من أجيال قبلنا بذلوا جهدهم قدر ما استطاعوا أخطأوا وأصابوا ولم يدعوا للتنازع بينهم أن يكون سببا للفشل ولولا فضل الله عليهم بما أحسنوا وأخلصوا ما واصلت جماعة الإخوان المسلمين سيرها، فَغُذُوا السير فالأجيال القادمة تنتظركم، والمائة الجديدة تفتح بابها لمن يُقْبل غير مدبر صادقا التوجه مناديا (الله غايتنا).

—————
(*) هذا جزء من رسالة للأستاذ إبراهيم منير، تحت عنوان (باسمك اللهم) نشرت بتاريخ السبت 27 رمضان 1437 ه الموافق 2 يوليو 2016م.

اترك تعليقا