توجيهات تربوية على طريق الدعوة

توجيهات تربوية على طريق الدعوة للأستاذ مصطفى مشهور – تجميع وإعداد: د. محمد حامد عليوة

نستعرض هنا مجموعة من التوجيهات التربوية والدعوية لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – تم تجميعها واختيارها من كتاباته المتنوعة في فقه الدعوة، وأنت تقرأ هذه التوجيهات أول ما ينتابك من شعور أنك أمام رجل عملي يفقه طريق دعوته، وليس منظراً يستعرض الأفكار فقط ولكنه ينقلك بطرحه من دائرة الفكرة إلى دائرة العبرة ومن ساحة الأقوال والنظريات إلى ميدان الممارسة والعمليات. وقد اخترنا (20 توجيه تربوي) متنوع في معانيه وإرشاداته، نسأل الله سبحانه أن يجعل فيها الفائدة والنفع للقارئ الكريم. 

نبذة عن حياة الأستاذ مصطفى مشهور
ولد في الخامس عشر من شهر سبتمبر عام 1921م بقرية السعديين التابعة لمركز منيا القمح محافظة الشرقية – مصر. دخل كتاب القرية مدة سنتين، ثم التحق بالدراسة الأولية بالقرية، والتحق بالمدرسة الابتدائية بمنيا القمح، ثم المدرسة الثانوية بالزقازيق، ومكث بالزقازيق سنتين الأول الثانوي، والثاني الثانوي، ثم انتقل إلى القاهرة فأكمل بها المرحلة الثانوية، ثم التحق بالجامعة بكلية العلوم، ثم تخرج فيها سنة 1942م. تعرف على الإخوان المسلمين سنة 1936م.

بعد تخرجه، عين في الأرصاد الجوية بوظيفة (مُتنبئ جوي)، ونُقل إلى الإسكندرية؛ ليقضي سنة تحت التمرين، ثم عاد إلى القاهرة لممارسة عمله كمتنبئ جوى. في يونيو 1954م أُبعد عن العمل إلى مرسى مطروح، واعتقل من مرسى مطروح، وأحضر إلى السجن الحربي. حُكم عليه بعشر سنوات أشغال شاقة، ثم نُقل إلى ليمان طرة، ومنه إلى سجن الواحات.

اعتُقل مرة أخرى سنة 1965م ؛ حتى أُفرج عنه في عهد الرئيس السادات. تولى مهام المرشد العام للإخوان المسلمين بعد وفاة الأستاذ محمد حامد أبو النصر – رحمه الله – سنة 1996م.

دخلت عليه ابنته في غرفته قبيل العصر فرأته مرتمياً على الأرض في غيبوبة، ما لبث أن أفاق منها، وقام ليتوضأ، رجته ابنته أن يشفق على نفسه ويصلي العصر في البيت، فأبى وخرج إلى المسجد، وبعد صلاة العصر أصيب بجلطة دماغية ألقته أرضاً، ليدخل في غيبوبة استمرت سبعة عشر يوماً، منذ 29 من أكتوبر، وحتى وفاته في الساعة السادسة مساء الخميس 9 من رمضان المبارك 1423هـ  الموافق 14 من نوفمبر 2002م.

من توجيهاته التربوية:

1- «نريد المسلم المتميز بآداب الإسلام وتقاليده، وتحيته، ولغته، وزِيِّه، وإتقانه لعمله، وأمانته ووفائه، بل حتى في أفراحه وأتراحه، ولا نسمح للعادات الأعجمية أن تغزوَ مظاهر الحياة في مجتمعاتنا».

2- «نريد الأخ القدوة شجاعًا عظيم الاحتمال، وقورًا يؤثر الجد، شديد الحياء، دقيق الشعور، عظيم التأثر بالحُسن والقُبح، يُسَرُّ للأول، ويتألم للثاني، متواضعًا في غير ذلةٍ ولا خضوع ولا تملق».

3- «نريد الأخ المسلم متصفًا بالعدل في جميع الأحوال، صادق الكلمة فلا يكذب رحيم القلب، حسن السلوك ، كله حركة ونشاطًا وحيوية».

4- «نريد مَن يعطينا نفسه وماله في سبيل الله ..، نريد مَن يصبرون ويضحون ويثبتون ويتحمَّلون أعباء الدعوة والعمل، ويقدِّرون المسئولية وعظمها والأمانة وثقلها».

5- «لهذا نجد أن الضرورة ملحة للأخ الداعي القدوة أن يكون صاحب القلب الكبير والخلق الحسن والأسلوب السليم الذي يغزو القلوب، ويولِّد الثقةَ بينه وبين مَن يدعوهم، ويتقن كيف يأخذ بأيدي المخطئين لتصحيح أفهامهم وتصوراتهم وسلوكهم دون إحداث فرقةٍ أو تنازع، ولكن بلين الجانب،وبالحكمة والموعظة الحسنة، وبالقدوة العملية الحسنة التي تنتزع التقدير وتدفع إلى التأثر والاقتداء به والاستجابة إلى ما يدعوهم إليه، وعندما ندعو مسلمين إلى تصحيح إسلامهم يجب أن يشعروا أنهم منا ونحن منهم، ولا نَعُدُّ أنفسنا مجتمعًا مسلمًا منفصلاً عن باقي المسلمين؛ لأن ذلك يعزلنا عنهم فنتقوقع وننتهي».

6- «أما الانصراف عن العمل خشية الفتنة فهذا موقف سلبي لا يصح، وهل يصح للطبيب أن يمتنع عن العلاج خشية العدوى؟! ولو وقف كل طبيب هذا الموقف لاستشرى المرض وذهب هو أيضًا مع الذاهبين، كذلك لو امتنع الدعاة إلى الله عن دعوة غيرهم لاستشرت الفتنة، ولاقتحمت عليهم بيوتهم، ولأكلت الأخضر واليابس، ولتعرضنا لفتنةٍ أشد، وما علينا إلا أن نتحصَّن بحسن الصلة بالله، ويرتبط كلٌّ منا بإخوانه الذين يُذكِّرونه إذا نسي، ويُعينونه إذا ذكر؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وليؤمن كلٌّ منا أن الحق الذي معه سيُزهق باطل الناس مهما انتفش».

7- «المطلوب من كل فرد في الصف أن يكون إيجابيًّا مشغولاً بدعوته يفكِّر فيها، ويشير بما يراه يحقِّق نفعًا أو يدرأ ضررًا، معاونًا لقيادته بالرأي والنصح بأدب الإسلام».

8- «المحن ليست فترات ميتة ولا ضربات قاضية، ولكنها فترات حية، وقوة دافعة إلى السير على طريق الدعوة في قوة وثبات».

9- «افرح يا أخي واسعد عندما تجد وقتك مشغولاً بالعمل، وطاقتك مستنفدة في حقل الدعوة؛ فذلك من فضل الله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)) سورة يونس».

10- «والأخ المسلم المخلص لربه، لا تفتر همته فى بذل الجهد ومواصلة السير على الطريق، ولو لم تظهر له النتائج المبشرة بالنصر، فالمطلوب منه العمل وبذل الجهد كله دون تقصير، مع إخلاص النية، أما النتائج فالله سبحانه هو الذي يرتب لها ويختار لها الوقت المناسب».

11- «لقد أثبتت الأحداث والأيام أنه بقدر الاهتمام بالتربية؛ تتحقق الأصالة للحركة، واستمراريتها ونموها، ويكون التلاحم بين الأفراد ووحدة الصف، وعكس ذلك إذا أُهمل جانب التربية أو حدث تقصير فيه؛ يظهر الضعف والخلخلة فى الصف، ويبرز الخلاف والفُرقة، ويتضائل التعاون ويقل الإنتاج».

12- «الوحدة من ألزم الأمور لمن يسلكون طريق الدعوة، وخاصة فى فترات المحن، حيث يتعرض العاملون للإسلام إلى ضغوط وفتن متنوعة، وبقدر وحدتهم وتماسكهم بقدر عون الله لهم فى مجابهة هذه المحن والخروج منها دون تفرق. أما فى ظل الخلاف والفرقة فتزيدهم الضربات والمحن ضعفاً وتباعداً.

فهل يُقبل أن تختلف هذه النوعية الحية المتحركة للعمل للإسلام وتتضاد جهودها بدل أن تتضافر وتتعاون ؟أي جريمة هذه فى حق العمل الإسلامي ؟ ولا وسيلة لإزالة أي خلاف من هذا النوع إلا بتجريد النفوس من الهوى، والالتزام بكتاب الله وسنة رسوله ، وسلامة الصدر، وصفاء النفوس، والبعد عن كل ما من شأنه أن ينال من الوحدة وجمع الكلمة».

13- «فلنحافظ على هذه الربانية وبشخصية الجماعة المعتزة بالله، والتي لا تنحني أمام قوى الباطل مهما انتعشت، ولا تسمح لأحد أو لجهة أن تهيمن عليها، أو تحتويها، أو تحرفها عن غايتها، أو تسخرها لغير الغاية التى قامت من أجلها، مهما كلفها ذلك من أرواح وتضحيات وآلام».

14- «ومن الرؤية الواضحة أن يعلم سالك الطريق أن الله غني عنه وعن جهاده وأنه هو الفقير إلى الله، وأن قافلة النور ستسير بإذن الله غير متأثرة بتخلف من يتخلف ولا تعويق من يعوق، والسعيد من فاز بوضع قدمه مع المسيرة المباركة، وثبت فى صفوف المجاهدين لينال إحدى الحسنيين».

15- «لا يصح الإقلال من شأن التربية وإرساء العقيدة فى النفوس؛ لتخريج النوعية التى تخلص وتتحمل وتضحى وتجاهد وتثبت وتلتزم الصف، كما لا نقلل من شأن التنظيم والحب والترابط والأخوة فى الله، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف:4)».

16- «ووحدة الصف سر القوة والبركة والتوفيق وقبول الأعمال، فيد الله مع الجماعة، ولا سبيل مع الوحدة للشيطان ولا لأعداء الله أن ينفذوا بين صفوف المؤمنين، فى حين أن الفُرقة تورث الفشل والضعف والهزيمة وعدم التوفيق وإحباط الأعمال، والله تعالى يقول: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖوَاصْبِرُوا ۚإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال : 46، ويقول: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) الأنعام : 159».

17- «إلى الإخوان عامة والشباب منهم بخاصة، أن يطمئنوا على جماعتهم وحفظ الله لها، وأنها ارتبطت بدعوة الله ولن يقضي عليها كيد الأعداء بإذن الله، وليثق الاخوان فى طريقهم وأنهم ملتزمون طريق رسول ، ولم تغير الجماعة مسارها رغم الفتن والابتلاءات، وألا ينزعج الاخوان وبخاصة الشباب من أي تشكيك أو ادعاءات باطلة تلصق بجماعتهم من أي جهة، هذه الدعوات الحقة لابد لها من العقبات فى طريقها، لكن قوة دعوتنا وحاجة العالم إليها ونبالة مقصدنا وتأييد الله لنا هي عوامل النجاح التى لا تثبت أمامها عقبه ولا يقف فى طريقها عائق، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يوسف ٢١».

18- «ويمكن القول أيضاً أن الحكمة والرؤية وطول النفس من سمات الرجولة، والتسرع والاندفاع وقصر النفس من سمات الطفولة وعدم الاكتمال.وطريق الدعوة أحوج ما يكون إلى رجال مؤمنين يقدرون التبعة ويُعالجون المواقف بحكمة، ويتحملون ويثبتون ولا يتغيرون ويتبدلون مع الأحداث، وصدق الله العظيم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب 23».

19- «لنكن أمناء على مسارنا الذى بدأناه على طريق رسول الله ﷺ مخلصين لله، فكلنا أجراء عند الله، ولا بروز لأشخاصنا مع دعوة الحق، وعلينا أن نزن الأمور والمواقف والأشخاص بالموازين والمقاييس الربانية القرآنية، حتى لا نُعرض العمل الإسلامي إلى الانزلاق أو الانحراف أو الإجهاض، ولا نتعجل الثمرة قبل نُضجها، ونسأل الله دائماً التوفيق والرشاد».

20- «الشباب كله غيرة وحيوية لا ننكر عليه ذلك، فقد مررنا بهذه المرحلة وما زالت آثارها باقية والحمد لله، ولا يُتصور أننا نريد كبت حماس الشباب ولكن نريد حماساً مبصراً متجدداً منضبطاً، نتحكم فيه ولا يتحكم فينا فيورطنا فى ما لا يُفيد الاسلام من مواقف، نريد الحماس العاقل والحيوية المتدفقة المتجددة لا تلك التى تظهر وتختفى، ونريد القوة المبصرة لا الاندفاع الأعمى.

أما الشباب أصحاب الحماس غير المنضبط، وقصيرو النفس فيندفعون فى أعمال هوجاء دون استفادة من خبرة وتجربة من سبقوهم على الطريق، ويظهر الحماس فى صورة فورات تطفو ثم تختفى، فهذا ضرره أكبر من نفعه، ولا يصمد طويلاً وقد يتسرب له اليأس إذا لم يرى نتائج سريعة لعمله».

رحمة الله على أستاذنا فضيلة المرشد الأستاذ مصطفى مشهور، وأجزل مثوبته، وجعل جهده وجهاده فى ميزان حسناته، ونفعنا وأحبتنا والدعاة فى كل مكان بهذه التوجيهات الغالية، والحمد لله رب العالمين.

—————————

اترك تعليقا