جمع القلوب وكسب الأنصار

جمع القلوب وكسب الأنصاربقلم: الدكتور محيي الدين حامد

ينبغي على صاحب الدعوة أن يدرك بأن أهم ما يميز دعوة الإخوان المسلمين أنها تجمع القلوب حولها؛ لأنها تحرص على وحدة المسلمين وترابطهم، وتوقن أن وحدة الأمة الإسلامية سر قوتها ونهضتها، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَإذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: من الآية 103)؛ ولذا فدعوة الإخوان المسلمين تجمِّع ولا تشتِّت، توحِّد ولا تفِّرق، تؤلِّف ولا تمزِّق.

ولقد عبَّر الإمام المؤسس حسن البنا – رحمه الله – عن ذلك بقوله:
«إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة، لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عُرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبّه، وتود أن تتوحّد وجهة الأنظار والهمم؛ حتى يكون العمل أجدى، والإنتاج أعظم وأكبر، فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملوَّثة بلون، وهي مع الحق أينما كان، تحب الإجماع، وتكره الشذوذ، وأن أعظم ما مُني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، هذه قاعدة أساسية، وهدف معلوم لكل أخ مسلم، وعقيدة راسخة في نفوسنا، نصدر عنها، وندعو إليها». (رسالة دعوتنا في طور جديد).

لقد تميزت دعوة الإخوان المسلمين بالعديد من الخصائص والصفات التي جعلتها ذات تأثير قوي وفعَّال في كثير من المجتمعات والشعوب، رغم اختلاف أجناسهم وعروقهم ولغاتهم وثقافتهم، فاستطاعت أن تربطهم بالله عز وجل، والرجوع إلى كتابه الكريم، واتباع سنة الحبيب المصطفى ﷺ، والاقتداء به في واقعهم وحياتهم وسلوكهم، واستطاعت أيضًا أن ترسِّخ الفهم الصحيح للإسلام، وشموله لجميع مجالات الحياة، والعمل على تحقيق وتطبيق المنهج الإسلامي، والسعي لإقامة الدولة الإسلامية المنشودة، ولقد أسهمت هذه الخصائص والمميزات في استمرارها، والقيام بدورها في إحياء الأمة الإسلامية، وتوجيهها نحو الترابط والوحدة فيما بينها،

جمع القلوب وكسب الأنصار

ومن أهم هذه الخصائص والمميزات التي أسهمت في توحيد القلوب وتحقيق الترابط والوحدة فيما بينها:
أولًا: ربانية الدعوة:
لأن الأساس الذي تدور عليه أهداف هذه الدعوة أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يتذكَّر الناس هذه الصلة التي تربطهم بالله- تبارك وتعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾ (البقرة)؛ ولذا فإن هذه الدعوة لجديرة بأن تكون لها هذه المكانة في قلوب الناس؛ لأنها لا تبتغي شيئًا من حطام الدنيا وزينتها، ولا جاهًا ومناصب يتكالب عليها الناس، فهي أسمى من ذلك كله؛ لأنها ترجو ما عند الله عزَّ وجلَّ وجنته ورضوانه، ومن هنا لزم على صاحب الدعوة أن يكون نموذجًا عمليًّا لهذه الربانية في عباداته وأخلاقه ومعاملاته كمردود طبيعي لربانية الداعية، والتي وصفت بها السيدة عائشة – رضوان الله عليها – الحبيب المصطفى ﷺ بقولها: «كان خلقه القرآن»، وكما قال بعض العلماء: «كان قرآنًا يمشي على الأرض»، وليعلم صاحب الدعوة أن هذه الربانية هي مفتاح القلوب إلى العباد، وسر تآلف الأرواح؛ مَّا يجعلها تتجمع حول هذه الدعوة، وتلتزم بأهدافها ومبادئها.

ثانيًا: إسلامية الفكرة:
لأن أجمع ما توصف به هذه الدعوة أنها إسلامية، بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، فالإسلام هو أساس الإصلاح والتغيير، وهذا يتطلب من صاحب الدعوة الفهم الواضح للمنهج الإسلامي في التغيير والإصلاح والسعي الجاد؛ لتعميق الفكرة الإسلامية في نفوس أبناء الأمة، والعمل المتواصل؛ لتحقيق المشروع الإسلامي في واقع الشعوب والمجتمعات…، وعندئذٍ تلتف الجماهير والشعوب المسلمة حول هذه الدعوة ومنهجها الإسلامي، وتؤيدها وتناصرها؛ من أجل إحداث الإصلاح الإسلامي المنشود.

ثالثًا: شمولية المنهج:
لقد اتسمت دعوة الإخوان المسلمين بالشمول في جميع نواحي الإصلاح في الأمة، ولم تترك أو تهمل مجالًا من المجالات المنوطة بالإصلاح والتغيير؛ ولذا فقد وجب على صاحب الدعوة أن يحقِّق هذا الشمول بالتنفيذ العملي والتطبيقي له في واقع الحياة، وإحداث التوازن المطلوب بين مجالات الدعوة المتعددة، وعدم تغليب جانب على آخر، وهذا ممَّا يسهم في التأكيد على أن الإخوان المسلمين هيئةٌ إسلاميةٌ شاملةٌ. وعندئذٍ يجد كل مصلح غيور فيها أمنيته، ويلتف حولها محبو الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها، ويعملون جميعًا لتحقيق أهدافها، ونصرة مبادئها وأخلاقها؛ لأنهم يرون فيها أنفسهم، وأنها تمثل أفكارهم وعواطفهم وأخلاقهم.

رابعًا: نزاهة المقصد:
لأنها دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت الأطماع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلقت وراءها الأهواء والأعراض؛ ولذا فصاحب الدعوة لا يسأل الناس شيئًا، ولا يريد منهم إلا المضي قدمًا في طريق هذه الدعوة الذي حدَّده الله عزَّ وجلَّ، والذي سار على نهجه النبي ﷺ، ومن تبعه من الدعاة والمصلحين. وعندئذٍ ترتبط تلك القلوب والعقول بهذه الدعوة وفكرها ومنهجها، دون الارتباط بأشخاص أو المنافع الشخصية والمادية فترتقي هذه النفوس وتسمو عن جواذب الدنيا وشهواتها، وتكون أهلًا لأن يتنزل عليها نصر الله ووعده لعباده المؤمنين.

خامسًا: وسطيَّة الاختيارات:
لأن التحلي بالفهم الصحيح والسليم لهذا الدين العظيم وتعاليمه وقيمه دون إفراط أو تفريط هو الطريق الوحيد لتحقيق مفهوم الوسطية داخل المجتمع ودوائره المختلفة، فالمسلمون اليوم في حاجة أكيدة لهذه الخاصيَّة تمكنهم من تقديم فكرتهم، ومشروعهم الحضاري كنموذج حضاري بديل للبشرية كلها، يكون شاهدًا عليها، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 134)، ومن هنا لزم على صاحب الدعوة تقديم المواقف والنماذج العملية لهذه الوسطية، مع رفض كل صور وأشكال الإفراط أو التفريط. وعندئذٍ تلتف وتجتمع جموع أبناء الأمة حول هذه الدعوة المباركة وأبنائها ودعاتها وعلمائها من أصحاب الفهم الصحيح الوسطي للإسلام.

إن هذه الخصائص وغيرها هي التي جعلت لهذه الدعوة قدرها ومكانتها في قلوب وعقول أبناء هذه الأمة على مدار تاريخ هذه الجماعة منذ نشأتها حتى وقتنا هذا؛ ولذا ينبغي على صاحب الدعوة أن يدرك أن أي تقصير في التحقق بهذه الخصائص والمميزات يكون سببًا أساسيًّا في انصراف الناس عن هذه الدعوة، أو الالتفاف حول غيرها من الدعوات،

ومن هنا وجب على صاحب الدعوة عدة أمور أساسية منها:
أولًا: التحلي بخصائص هذه الدعوة عمليًّا وسلوكيًّا؛ فيراها الناس حالًا وعملًا وليس قولًا وكلامًا.
ثانيًا: مجاهدة النفس على الفضائل ومكارم الأخلاق، وكما يقول الإمام البنا – رحمه الله -: «عليكم بأنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها كنتم عما سواها أعجز».
ثالثًا: تحقيق وترسيخ معاني الحب والأخوَّة بين أبناء الأمة؛ لأنه الطريق الموصل إلى تحقيق أهداف هذه الجماعة، وكما قال الإمام البنا – رحمه الله – في ذات مرة «سوف نقاتل الناس بالحب»، ولقد ترجمه – رحمه الله – عمليًّا في أحد المواقف «عندما قال له أحد المختلفين معه في الرأي: إني أبغضك، فقال له الإمام البنا: وإني أحبك في الله».
رابعًا: التعرف إلى الأساليب والوسائل المناسبة لكل شريحة أو فئة من أبناء الأمة، والعمل على الأخذ بها للوصول إلى قلوب الناس وعقولهم.
خامسًا: الإلمام بجوانب النفس البشرية، وعوامل التأثير فيها، وبما يحقق التواصل الفعَّال معها دون نفور عنها، أو صدام معها، فالعمل على كسب القلوب مقدم على كسب المواقف، كما أن التدرج في التوجيه والتكليف مع مراعاة الفروق الفردية والظروف المختلفة لكل إنسان من الأمور الأساسية التي يجب على صاحب الدعوة أن يدركها ويعمل على تحقيقها.

وبعد ..
فإن طريق الدعوة إلى الله يتطلب من صاحب الدعوة الحلم والأناة، والصبر على أذى الناس، وتحمل المشقات في سبيل تحقيق هداية الخلق، وإرشادهم إلى الإسلام، وكما يقول الحبيب ﷺ: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم». فما أجمل الجزاء، وما أعظم الثواب الذي يجعل صاحب الدعوة في عمل متواصل وجهاد مستمر، ودعوة لا تتوقف ابتغاء تحقيق رسالة الإسلام في ارشاد البشرية إلى تعاليم الإسلام وقيمه الصالحة، نسأل اللهَ أن نكون على هذا الدرب من السائرين والعاملين والمجاهدين؛ لتحقيق رفعة هذا الدين العظيم … اللهم آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

————————-
(*) عضو مكتب الإرشاد.

اترك تعليقا