دعوة إلى الوحدة والترابط

دعوة إلى الوحدة والترابط (*)
بقلم: الإمام حسن البنا – رحمه الله

قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَإذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ، وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَأوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (سورة آل عمران 103 : 110)

دعوة إلى الوحدة والترابط

في الآيات السابقة وقف المسلمون على مفترق الطريق بين أهل كتاب يدعونهم إلى الفرقة والخلاف، وبين منهاج الله الذي يدعوهم إلى الوحدة والخير العظيم في الدنيا والآخرة، فبدأ الله بأبصارهم وقلوبهم وأيديهم، وأنقذهم وأرسلهم إلى سلوك طريقه وحده، والإعراض عن كل ما سواه، فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، آل عمران 102، ثم بين في هذه الآيات الكريمة بعض تفاصيل طريقه وإرشاداته المنجية في الدنيا والآخرة؛ فإذا هي:

1- الاعتصام بالمنهاج الرباني وهو القرآن الكريم، حبل الله المتين والنور المبين (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا).
2- الوحدة وعدم الفرقة والاختلاف (وَلا تَفَرَّقُوا).
3- تذكر نعمة الله في الوحدة والإخاء، والتمسك بعروتهما، والتشبث بهما، وأداء حقوقهما، فالمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه للظلم، وهذا التمسك بالإخاء هو القوة في الدنيا والنجاة من النار في الآخرة (وَإذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).
4- دوام التناصح والتذكير، والدأب على الدعوة إلى الخير بين المسلمين، حتى لا يجتاحهم دعاة الشيطان؛ فيتركوا طريق الله إلى طريق الشر والفساد، والمثابرة على الدعوة سبب الفلاح (وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

ثم ختمت الآيات الكريمة بمعان سامية وعبر جليلة،
منها لفت نظر المسلمين إلى ضرر المخالفة والفرقة والخلاف لغيرهم من الأمم.
ومنها أن هذا التعليم هو ارشاد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وإليه يرجع الأمر كله.
ومنها تذكير المسلمين بمنزلتهم من الأمم أنهم في الزؤابة والذروة؛ فلا يصح أن يركنوا إلى مرتبة تقليد غيرهم، بل عليهم أن يشرعوا طريق الخير للناس.

أيها الأخ المسلم: كرر هذه الآيات الكريمة في تدبر وتفكر واطمئنان، وتذوق حلاوتها، ثم الفت إليها أنظار الناس. 
والحمد لله رب العالمين

—————————–
(*) مقال للإمام حسن البنا، نشر في مجلة النذير – العدد 19، بتاريخ 8 جمادى الأولى 1358 هـ / 27 يونيو 1939م.

0 Comments to “دعوة إلى الوحدة والترابط”

  • zadussaerin

    الاعتصام بالمنهاج الرباني وهو القرآن الكريم، حبل الله المتين والنور المبين (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا).

اترك تعليقا