رسالة وضوح الرؤية على طريق الدعوة (الجزء 1)

رسالة وضوح الرؤية على طريق الدعوة (الجزء 1) 

(1) وضوح الرؤية

(قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)

من الأمور الضرورية التي يجب لأولئك الذين أنعم الله عليهم فجعلهم من العاملين لرفعة الإسلام: (وضوح الرؤية)، (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)، وبداية رسالة دعوتنا المصارحة: إذ أننا نحب أن نصارح الناس بغايتنا ونجلي أمامهم منهاجنا وأن نوجه إليهم دعوتنا في غير لبس ولا غموض أضوء من الشمس وأوضح من فلق الصبح وأبين من غرة النهار،وإذا كان ذلك من حق الناس علينا فهو في حق الصف أولى.

نحن ندعو الناس إلى مبدأ، مبدأ واضح محدود مسلم به منهم جميعاً هم جميعاً يعرفونه ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيه خلاصهم وإسعادهم وراحتهم، مبدأ أثبتت التجربة وحكم التاريخ صلاحيته للخلود وأهليته لإصلاح الوجود، والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم على حين أنه إيمان مشتعل قوى يقظ في نفوس الإخوان المسلمين.

نحن نفهم الإسلام فهماً فسيحاً واسعاً ينظم شئون الدنيا والآخرة وليس مقصوراً على ضروب من العبادات أو أوضاع من الروحانية، إذ أننا نحمل مشروعاً إسلامياً على منهاج النبوة، وهذا لا يعني أننا حزباً سياسياً من المسلمين له توجهات إصلاحية إسلامية، لكننا لنا مشروعنا الإصلاحي الإسلامي الذي هو جزء تابع من الصبغة الإسلامية الكاملة التي نصطبغ بها والهوية الإسلامية التي نتصف بها، وهو مشروع مرتبط بمهمة المسلمين في الحياة التي لخصتها الآية الكريمة في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)) سورة الحج.

إن وضوح هذه الرؤية هو الكفيل بتحديد ميدان المعركة الرئيسية وسط ميادين المعارك الثانوية ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا… وهو الكفيل بتبيان العدو الطرف الحقيقي وسط التابعين والمتداعين والمأجورين والمستعملين والمرتزقة، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، وهو الكفيل بترجيح منهج للتغيير من بين المناهج إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم،وهو الكفيل بتحديد رأس الأفعى من بين حبالهم وعصيهم التي تبدو وكأنها تسعى حتى لا نصرف الضربة إلى حبال وعصى تاركين الأفعى

وعندما نختص فترة من الزمان فإن وضوح الرؤية خلالها لا يكتمل إلا بمعرفة طبيعة المرحلة وحقيقة المعركة وإدراك حجم التحديات التي تواجهننا وتبين جوهر الرسالة الذي يميز هذه الفترة بالذات ومنهج التغيير الذي يميزنا عن غيرنا، ثم باستيعاب الأدوار التي يلزم أن نؤديها ومعرفة نقطة الوصول التي نسعى إليها أو حالة النجاح في هذه المرحلة مع إدراك حالات النصر ومعنى التمكين التي لو تحققنا بها خلال فترة من الزمن لكنا من الموفقين في مسعانا بفضل الله عز وجل… وهذا ما نرجو الله تبارك وتعالى أن يوفقنا إلى بيانه.

 (2) طبيعة المرحلة 

من وضوح الرؤية في فترة ما استيعاب طبيعة المرحلة، فمعلوم أن الدعوة تمر بمراحل للعمل، كل مرحلة تعتني بصفة أساسية بمرتبة من مراتب العمل تسير فيها بخطوات اصطلحنا عليها أما مراتب العمل في دعوة الإسلام فهي : الفرد المسلم، البيت المسلم أو الأسرة المسلمة، الشعب المسلم أو المجتمع المسلم، الحكومة المسلمة، الدولة المسلمة، الخلافة الراشدة، ثم أستاذية العالم وأما خطوات ذلك العمل فهي(التعريف والتكوين والتنفيذ) هذه الخطوات وإن بدت متعاقبة في حق الفرد إلا أنها قد تكون متزامنة فيما يتعلق بالجماعة والدعوة ككل.

 وبناء على ظروف الواقع، وتزاوج مراتب العمل مع خطواته، تتحدد طبيعة المرحلة والمرحلة التي تمر بها دعوتنا الآن هي مرحلة تكوين المجتمع المسلم ويعني هذا بطبيعة الحال استمرار العمل في تكوين الفرد المسلم وفي تكوين البيت المسلم مع إضافة أعباء العمل في مجال تكوين باقي مؤسسات وجوانب المجتمع المسلم، ذلك لأن المجتمع المسلم ما هو إلا حصيلة الأسر المسلمة والتي هي بدورها نتاج الفرد المسلم أو بتعبير آخر فإن الفرد المسلم والبيت المسلم مؤسستان هامتان من مؤسسات المجتمع.

 ومن فضل الله علينا أن تميزت فترة عملنا حتى الآن بإحداث طفرة في العمل العام والانفتاح على بعض شرائح المجتمع من خلال الواجهات المتاحة المؤثرة مثل النقابات والاتحادات والجمعيات والمجالس الشعبية والمحلية شعر بها المجتمع كله، وعرف من خلالها صدق توجهنا ورغبتنا في التقرب إلى الله بنفع الناس «الناس عيال الله أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله».

وأتاحت لنا الأنشطة التي مارسناها انتشاراً كبيراً وأثمرت ظهور رموز ورايات لدعوتنا يستدل بها الناس على طريقنا، وأثمر ذلك حصولنا على شرعية سياسية على أرض الواقع لا يمكن أن ينكرها أحد، هذه الشرعية ينبغي أن نحافظ عليها وأن نضيف إليها عمقاً من خلال زيادة شرعيتنا الاجتماعية على أرض الواقع بالالتحام بقطاعات وفئات المجتمع الحيوية وبقيادة عملية إصلاح وتكوين وتنمية مؤسسات المجتمع على أساس من الإسلام وقيمه.

 فنحن «نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه القلوب أن  تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمناً لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الفناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا فأقضت مضاجعنا وأسالت مدامعنا وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا».

ولأنكم إخواني الذين «فهمتم الإسلام فهماً شاملاً، فآمنتم به نظاماً اجتماعياً كاملاً، يصحح للناس أوضاع مجتمعهم في كل شيء»، «نحن نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم والشعب المسلم، ولكنا نريد قبل ذلك أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في كل هذه الأوضاع وتصبغها بصبغة الإسلام، إن هذا الإسلام، عقيدته ونظمه ولغته وحضارته، ميراث عزيز غال على مصر، ليس تفريطها فيه بالشيء الهين ولا إبعادها عنه بالأمر المستطاع مهما بُذلت في سبيل ذلك الجهود الهدامة المدمرة».

لهذا كانت الرسالة العليا للدعاة إلى الله في هذه المرحلة الحفاظ على الصبغة الإسلامية للمجتمع المصري وتنميتها وتدعيم أركانها صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ،وذلك من خلال العودة إلى تعاليم الإسلام وقواعده والاعتماد عليها وبناء النهضة الجديدة على أساسها وارتكاز الأوضاع الاجتماعية عليها، فلقد ورثنا هذا الإسلام الحنيف واصطبغنا به صبغة ثابتة قوية تغلغلت في الضمائر والمشاعر ولصقت بحنايا الضلوع وشغاف القلوب واندمجت مصر بكليتها في الإسلام بكليته عقيدته ولغته وحضارته ودافعت عنه وزادت عن حياضه وردت عنه عادية المعتدين وجاهدت في سبيله ما وسعها الجهاد بمالها ودم أبنائها.

————————-
انتهى الجزء الأول من الرسالة ويتبعه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.

اترك تعليقا