رسالة وضوح الرؤية على طريق الدعوة (الجزء 4)

رسالة وضوح الرؤية على طريق الدعوة (الجزء 4) 

(7) دورنا البناء

إن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا، وتنهض لمهمة كمهمتنا، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني، وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد بين الحق والباطل وبين النافع والضار، وبين صاحب الحق وغاصبه، وسالك الطريق وناكبه، وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين، وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة والعزيمة القوية الصادقة والسخاء بالتضحيات والإقدام عند الملمات وبغير ذلك تغلب على أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها.

والشباب المسلم الملتزم بإسلامه هو عدة المستقبل والدرع الواقي لأمتنا من كل عدوان مادي أو معنوي، هذه النوعية من الرجال هم لبنات البناء الصلبة التي يقوم بها بناء الوطن، وبأمثالهم تقوم الأسر المثالية التي تمثل ركيزة في بناء المجتمع، لذلك كان أهم عنصر في البناء لكي يكون سليمًا متينًا هو بناء المواطن الصالح، الذي هو ركيزة الانطلاق لمواجهة تخطيط أعداء الإسلام وما حققه في أوطاننا الإسلامية من ضياع وتدمير، وضعف وتبعية، وانتشار العلل والأمراض، وتولد ما يشبه اليأس من النهوض والإصلاح والنجاة من التردي.

والحقيقة أن بناء الأمم أمر ليس يسيرا إذا كان المطلوب قبل وضع الأساس البناء وإزالة الركام والمخلفات التي أدت إلى ضعف البناء وانهياره، ثم وضع الأساس العميق المتين الذي سيقوم عليه البناء الجديد، لذلك يقع على عاتقنا دور هام في حمل الدعوة ونشره حفاظًا على الصبغة والهوية الإسلامية للمجتمع المصري وتأصيل جوانبها واستكمال أركانها عن طريق التربية والوعظ والإرشاد والعمل على استمرار الصحوة الإسلامية وتعميقها وتوسيعها وتفعيلها والوصول بها إلى القطاعات المؤثرة.

وهناك دور آخر يتلخص في العمل على امتلاك الأمة أسباب القوة في جميع المجالات التي تمكنها من تحقيق رسالتها، وذلك بتغيير واقع مؤسسات المجتمع وأفراده (رجالًا ونساءً)، وفق رؤية تنموية شاملة تتبنى حلولًا لمشاكل الحاضر، وتعد للمستقبل، مجسدة شعار (الإسلام هو الحل) على هيئة برامج تفصيلية تعالج مشاكل وهموم الناس تريد أن يتم ذلك العلاج بوضوح واقتناع بأنه لا بديل سوى الحل الإسلامي، وأنه الحل الحتمي لأنه من عند الله خالق البشر الخبير بما فيه خيرهم ومنفعتهم، ثم أنه ليس موضع تجربة جديدة ولكن سبق تطبيقه وسعد به الناس أزمانًا طويلة قبل تعرض وطننا العزيز وغيره من أقطارنا العربية والإسلامية إلى تجارب مريرة قاسية بسبب تطبيق نظم أرضية مستوردة من صنع البشر العاجز، الأمر الذي جر على شعوبنا قدرًا كبيرًا من الشقاء والمعاناة والضعف وتدهور الأحوال والتبعية للدول الغنية المتحكمة، إننا نأمل أن يسود الاقتناع بفشل النظم الوضعية وأحقية الحل الإسلامي بالحجة والدليل.

وغني عن القول أنه لا يصلح لتحمل هذه الأعباء والقيام بهذه الأعمال إلا من رصدوا حياتهم لهذه الدعوة، وراضوا أنفسهم على تحمل مشاق الطريق، يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون، يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، يتقنون عملهم رجاء القبول فلا يقصرون ولا يتباطئون، يبتغون وجه الله ولا يراءون لا يقوم بهذه الأعباء إلا من أعد نفسه، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة، والاختبار الدقيق، وامتحنوها بالعمل، العمل القوي الشاق عليها وأفطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعادتها، فإنه يسهل على كثيرين أن يتخيلوا ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالًا باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا، ولكن قليلًا من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع العمل، ولكن قليلًا منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد والعمل المضني وقد اثبتت الأحداث والأيام أنه بقدر الاهتمام بالتربية تتحقق الأصالة للحركة الإسلامية واستمراريتها ونموها، ويكون التلاحم بين الأفراد ووحدة الصف، والتعاون والإنتاج المبارك، فالتربية دور أساسي مطلوب منا ولنا.

والأمر الطبيعي أن يسير العمل لتحقيق التمكين لدين الله في الأرض بإقامة الخلافة الإسلامية وفقًا لتخطيط دقيق، وألا يكون ارتجاليًا أو ردود أفعال، فيقسم الهدف الكبير إلى أهداف مرحلية وتوضع الخطة لكل منها والوسائل اللازمة ويتابع التنفيذ وهكذا، وذلك يلزمه دراسة الظروف القائمة ومعرفة الإمكانيات اللازمة وتحديد الذين سيقومون بالتنفيذ والمدة المناسبة لإتمام التنفيذ وافتراض الاحتمالات المتوقعة التي قد تؤثر عليه وكيفية مواجهتها «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» والتطوير والتجديد أمر مطلوب يحث عليه الإسلام للترقي في أساليب العمل ووسائل الحياة «إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، وفتح له أبوابًا كثيرة، «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها»، طالما كان ذلك في حدود تعاليم الإسلام وآدابه، «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، ويلزم أن يوضع في الاعتبار عندما نقوم بدورنا في التخطيط والتطوير الإداري لميدان الدعوة أننا نتعامل مع قلوب ونفوس، وأن القلوب بيد الله، فقد يتيسر فتح مغاليق بعضها ويستعصي البعض الآخر، والتوفيق من الله فقد يجري الله خيرًا كثيرًا على يد فرد، وقد لا يتحقق مثله على أيدي أفراد عديدين،

حقًا إن الأمور كلها بيد الله فلا يظن أحد أن التخطيط بتعارض مع كون الأمور بيد الله، فالله تعالى أمرنا بالعمل والأخذ بالأسباب، أما النتائج فموكول أمرها إلى الله، والتخطيط أخذ بالأسباب ونحن في ذلك نتوكل على الله، والتوكل هو أن نأخذ بالأسباب ثم نعول عليها ونكل الأمر الله.

(8) درب الفلاح
النجاح .. النصر .. التمكين

 من تمام وضوح الرؤية معرفة علامات النجاح وحالات النصر وحقيقة التمكين إنه درب الفلاح الذي تسير عليه الدعوة جيلاً تلو جيل، ولا شك أن نفوس الدعاة تشتاق لرؤية النجاح ونوال النصر والتمتع بالتمكين لدين الله عز وجل، فذلك من أسباب اطمئنان النفس واستمرار الحماس،نعم نريد أن نطمئن، وربما تطمئن منا النفوس عندما نرى علامات نعرفها تدل على النجاح، فنشكر الله وندعوه أن: يرزقنا الإخلاص، ويقبل منا العمل، ويطمئننا بمزيد من علامات النجاح  (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

 عندما تشعر أن رؤيتك وإخوانك واضحة، وأن الجميع على بصيرة من طبيعة المرحلة وحقيقة المعركة وحجم التحديات وجوهر الرسالة والدور الذي علينا القيام به، وتستشعر وضوح منهج التغيير والقناعة به وتجلي معاني النصر والتمكين وعلامات النجاح في ذلك، وعندما يقترن ذلك كله بتعمق في التحقق بالمقتضيات العشرة اللازمة لمن باع نفسه لله على هذا الطريق، والصفات العشرة المؤهلة للعاملين هذا العمل عندها قل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه)، واطمئن إلى أن شجرة أهدافنا التربوية وارفة، وأن ثمارها ناضجة، وأن من شأن ظلها أن يفيء على أعداد جديدة وجماهير غفيرة فتلك علامات نجاح مسيرة التربوية والتكوين. 

وعندما يقتطع كل منا من وقته وجهده لإتقان جانب من احتياجات العمل للإسلام فيتخصص فيه ويعمل فيه، وعندما يتوزع حمل الدعوة على كل قادر، ويوظف كل منا لصالح الإسلام أكثر من راغب، عندها نتغلب على نقص الموارد وننجح في الاستفادة المثلى منها، وتتميز وظيفة كل وحدة عمل أو منفذ دعوة، وتعلو المؤسسية على الفردية، عند ذلك نكون قد وفقنا إلى إتقان دعوة الله «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» وإحسان الأداء فيها «إن الله كتب الإحسان على كل شيء».

  وعندما ترى القيم الإسلامية تنتشر في قطاعات المجتمع الحيوية، وينعكس ذلك من سلوكيات وتصرفات الطلاب والعمال والمهنيين والنخبة، وعندما يصل هذا الخير إلى قاعدة المجتمع من الطبقات الشعبية، فقل : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) وانتظر أن تنشأ في هذه القطاعات مجموعات للإصلاح تلتزم بالإسلام كمنهج حياة وتعمل على نشره،عندها ستجد القناعة لدى الشارع المصري بضرورة التغيير الإسلامي وذلك يعد نجاحاً لنشر الدعوة.

 وعندما يعود الجدار النفسي بين قومنا وبين الصهيونية مانعاً من استغلال العدو الإسرائيلي لنا، ومعرقلاً لخدعة التطبيع، وعندما يتبنى قومنا رؤية تنموية شاملة نقدمها في كل تخصص تجسد التعامل الإسلامي الصحيح مع مشكلات مجتمعنا, عندها ينجح مشروع الحل الإسلامي ويتجسد شعار الإسلام هو الحل.

 وعندما تستمر مسيرتنا في الدعوة إلى الله رغم التضييق، ونبتكر لإفادة قومنا ودعوتنا طرقاً جديدة، ونستعيد زمام المبادرة بأطروحات متجددة في القضايا الحيوية يقبلها شعبنا، فثق أنه قد صار لنا حضوراً دائماً في حياة الأمة يستعصي على التغييب.

وطالما احتفظ الصف بتماسكه وثباته والتفافه حول قيادته.الصلبة واستعداده للبذل والتضحية فلسوف تتنامى مظاهر التفهم لفكرتنا والتعاطف مع حركتنا والتأييد لأعمالنا والالتفاف حولنا بل ونصرتنا إن أوذينا، كل ذلك سيضفي علينا منعة كتلك التي طلبها رسول الله ﷺ في جوار مطعم بن عدي ثم من ألأنصار في بيعة العقبة حيث قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: «نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعك مما نمنع منه أزرنا» .

وعندما تعلو كلمة الله ويفشل أعداؤه في إثنائنا عن مهمتنا أو تحويلنا عن عقيدتنا، وحين ييأس المبطلون من إعلاء باطلهم عندها تذكر معنى النصر.النصر الذي تحقق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه إذ هما في الغار، يوم خرج وحيداً إلا من صاحبه الصديق، لا جيش ولا عدة، أعداؤه كثر، وقوتهم إلى قوته ظاهرة، القوة المادية كلها في جانب وهو ﷺ مع صاحبه منها مجرد، ومع ذلك كان النصر. (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) – التوبة 40

وهو النصر الذي تحقق للغلام عبد الله بن الثامر، يوم أجبر الظالم في حشد من الناس أن يقذف باسم ما جحد ليصيبه: قذف الجاحد وهو كاره باسم الله رب الغلام، فمات الغلام وانتصر؛ إذ آمن الناس برب الغلام وأعلنوا أن كلمة الله هي العليا، ثم تكرر النصر في الأخدود حين استعلى الإيمان على الفتنة والعقيدة على الحياة، حين يأس الطغاة من السيطرة على الأرواح رغم سيطرتهم على الأجساد أنه نصر بلا تمكين ومثله انتصار صالح إذ أنجاه الله والقلة معه يوم هلكت ثمود .

 إنه أيضاً نصر بلا تمكين ولكن هناك النصر مع التمكين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور (55)، (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور) الحجِ (41)، يومها تعود الخلافة الراشدة، وعندها تعلو راية الحق ويعم العدل «حكمت فعدلت، فأمنت فنمت يا عمر» ويسود الأمن، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الأنعام 82.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

————————
انتهى الجزء الرابع والأخير من رسالة وضوح الرؤية على طريق الدعوة.

اترك تعليقا