سلام وألف سلام. تخرج من اللسان من عميق الجَنان، للرجال الأوفياء، للدعاة الأباة، للشمِّ الرواسي. سلام وألف سلام. أقولها لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ فمنهم مَن قضى نحبه، ومنهم مَن ينتظر، وما بدلوا تبديلًا. سلامٌ عليكم يا فرسان الخير، وقادة الركب، وأدلة الرشد.يا من سِرتم بأمتكم في دروب الخيرات في أيام الرحمات، في شهر رمضان وغير شهر رمضان.
وكيف لا يكون لكم السلام وقد سرتم في دروب الأنبياء والمرسلين؛ تحملون الرسالة، وتؤدون الأمانة، تلاقون ما تلاقون وأنتم صابرون محتسبون؟
لكم السلام؛ لأن الله في علاه قال عن أنبيائه ورسله: (سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ). ثم قال: (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات: 79، 80). وقال سبحانه: (سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)، ثم قال (كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات: 109، 110)، وقال سبحانه: (سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ)، ثم قال (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات: 120، 121)، وقال سبحانه: (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)، ثم قال (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات: 131، 130).
وإن لم نُسمِّ جهادكم في سبيل دعوة الله ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة (إحسانًا) تستحقون عليه الجزاء من الله كرمًا منه وتفضلًا سبحانه، فماذا نسميه؟ ومَن المحسنون إذًا الذين يستحقون السلام من الله إن لم يكن أنتم؟ نعم. لقد قُدتم أمتكم إلى الخير، بل وأرغمتم خصوم دعوتكم على أن يسيروا صاغرين في دروب خيركم ومسالك رشدكم.
سلام عليكم أيها الإخوان يوم انطلقتم في بيوت الله حريصين على إحياء سنة التراويح بجزء من القرآن أو نصف الجزء، وإلقاء الدروس أثناءها يوم كانت صلاة التراويح كلها تؤدَّى بسورة كالضحى، وانظروا اليوم إلى حال معظم مساجدنا في رمضان؛ أصبحت بفضل الله عامرةً بالمصلين في صلاة التراويح، مع الحرص على أن تتم الصلاة بصورةٍ خاشعةٍ وبنفس المنهج الذي سلكتموه أيها الإخوان في إحياء هذه السنة المباركة. وما حدث مع صلاة العيد بالعراء من محاولة للتضييق بل والمنع هو ما يحدث في صلاة التراويح، ولكن المهم عندكم أيها الإخوان أن تحيا السنة بكم أو بغيركم؛ لأنكم ما أردتم إلا وجه الله. اليس هذا نصرًا لدعوة الله؟ اليس هذا ثباتًا على المبدأ واعتزازًا به؟ فالف سلام عليكم أيها الإخوان.
سلامٌ عليكم أيها الإخوان يوم أحييتم في نفوس الأمة سنةً تُسمَّى سنة الاعتكاف، يوم كان الناس لا يعرفون شيءًا في مفردات تدينهم يُسمى بالاعتكاف، فبدأتم السير وقدتم الركب وأصبحت قرى مصر كلها، بل ونجوعها، يحيون في ظلال هذه السنة المباركة، بل أصبحت النظم البائدة تقر لبعض المساجد الرسمية بالاعتكاف، هذا فضلًا عن الآلاف الأخرى من المساجد، تم ذلك بعد جهاد طويل وشاق مع خصوم الدعوة والعلماء الرسميين ومع مَن يجهلون حقيقة دينهم. اليس هذا نصرًا لدعوة الله وجهادًا في سبيله؟ اليس هذا ثباتًا على المبدأ واعتزازًا به؟ فالف سلام عليكم أيها الإخوان.
سلام عليكم أيها الإخوان يوم عرَّفتم؛ لا أقول مصر فقط، بل غالب العالم الإسلامي، نمطًا من أنماط الإحسان، وصورةً من صور تقديم الخير للناس، والتي تعرف بـ (شنطة رمضان) و (شنطة المدارس)؛ بدأتموها وصارت تسري في ربوع مصر كلها، بل والعالم الإسلامي جميعه، حتى أصبحت وكأنها شعيرة من شعائر البر في شهر الخير، والأهم من ذلك: لقد ركب هذه الموجة من لا يعرفون للخير طريقًا ولا للإحسان مَسْلَكًا، وصاروا يقدمون للناس (شنطة رمضان) و (شنطة المدارس)، والله أعلم بنيَّاتهم. أوليس هذا نصرًا لدعوة الله؟ اليس هذا ثباتًا على المبدأ واعتزازًا به؟ فالف سلام عليكم أيها الإخوان.
سلام عليكم أيها الإخوان يوم انطلقتم في المساجد تُقيمون دروس العلم وحِلَق الذكر أسبوعيًّا في كل قرية وفي كل حي؛ تعلمون الناس الخير وأحكام دينهم في وقت كانت المساجد فيه لا يرتادها إلا من بلغ من الكبر عِتِيَّا أو قريبًا من ذلك؛ فعلَّمتم وأرشدتم حتى صارت المساجد اليوم كما نرى، عامرةً بالشباب والشيوخ، وصار غيركم يسير على دربكم من الرسميين ومن سار في فلكهم؛ يُقيمون الدروس الأسبوعية في الوقت الذي يُمنَع فيه رواد الإصلاح وقادة النهضة ومؤسسو هذا الخير من ذلك! ولا عجب؛ فنحن في زمن العجائب! المهم عندكم أن يتعلم الناس أحكام دينهم على أيديكم أو على أيدي غيركم. أوليس هذا نصرًا لدعوة الله؟ اليس هذا ثباتًا على المبدأ واعتزازًا به؟ فالف سلام عليكم أيها الإخوان. هذه نماذج قليلة أحببت أن أذكِّر بها، ولكن هناك المئات بل الآلاف من صور الخير الأخرى التي قدتم أمتكم إليها، ولكم آثاركم الطيبة المباركة في مجتمعكم.
أقول هذا الكلام لا لكي نتباهى، معاذ الله؛ فأنتم ما أردتم إلا وجه الله، والمهم عندكم – أعلم ذلك يقينًا – أنكم تسعون إلى أن تُذكروا عند الله لا عند الناس؛ فحتى لو تجاهل الناس سعيكم ولم يقدروه قدره فشعاركم (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه: من الآية 84)، ولكن أقوله لأذكِّركم بفضل الله عليكم، وأشدُّ على أيديكم أن تبذلوا المزيد والمزيد من الجهد والعمل مع مجتمعكم إرضاءً لله، والأهم من كل ذلك الا تعرفوا لليأس سبيلًا ولا للقنوط طريقًا بسبب محاولة الطغاة البغاة منعَكم أيها الدعاة الأباة من عمل الخير والإحسان؛ فالله عز وجل سيبارك في جهادكم ولن يَتِركم أعمالكم.
وفي النهاية: فكما كنتم في الدنيا من أهل السلام؛ حيث كنتم – ولا زلتم، ولا أزكيكم على الله – كما قال الله: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (الفرقان: 63). وكان حالُكم:(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص: 55). وكانت أخلاقُكم:(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الزخرف: 89).
كما أسال الله أن يجعلكم من أهل هذه الآيات وممن يخاطبون بها: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 24)، (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) (ق: 34)، (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ) (الحجر: 46). وأن يجعلكم ممن قال الله فيهم: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا) (الفرقان: 75).
الله أكبر أيها الإخوان؛ حيث علمتم الناس الخير، وقدتم الأمة إلى طريق الهدى والرشاد. الله أكبر أيها الإخوان؛ حيث علَّمتم الأمة معنى الحياة حين أخذتم بيدها – ولا تزالون – إلى طريق الحرية والإباء. الله أكبر ولله الحمد.