في هلاك الطغاة والتمكين للمستضعفين – بقلم: د. محمد حامد عليوة
إن لله في خلقه شئون، و(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، وله سبحانه سنن لا تتبدل ولا تتغير، ومن سننه في الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل، هو إمهال الظالمين المعتدين من أهل الزيغ والضلال والظلم والفجور، يُمهلهم ولا يُهملهم (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)، حتى إذا أخذهم – بظلمهم وإجرامهم واستكبارهم في الأرض -، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً)، يعني أخذة زائدة شديدة. لأنه سبحانه (عَزِيزٌ ذُو انْتِقَأمٍ) وهو سبحانه (سَرِيعُ الْحِسَابِ) وهو سبحانه (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ). وهو سبحانه (مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ).
وفي الوقت الذي تسرى فيه سنته، وتتحقق مشيئته في الظالمين والمجرمين، نجدها أيضاً في عباده الصالحين وأوليائه المتقين الصابرين الثابتين، سنة باقية ومشيئة نافذة، فهو سبحانه يرعاهم ويحفظهم، ويمنّ عليهم، ويمكن لهم، طالما وثقوا في ربهم، وتعلقت قلوبهم بمولاهم، وثبتوا على الحق وإن قل الناصر والمعين. (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) فاطر 43.
ولقد رأى أهل الحق بأعينهم ما فعله الله في الظالمين الذين آذوهم ونكلوا بهم، ووضعوهم ظلمًا في غياهب السجون، ومن هذه الأمثلة ما يحكيه الأستاذ على نويتو (من الرعيل الأول للإخوان)، والذى قضى في سجون عبد الناصر (20 سنه)، من 1954 : 1974، فيقول:
«في محكمة الثورة وأثناء أحدى جلسات المحاكمة طلب رئيس المحكمة جمال سالم من الشهيد يوسف طلعت أن يقرأ الفاتحة بالمقلوب، استهزاء بعباد الله وتنكيساً لكتاب الله. وقد دعى الشهيد عبد القادر عودة قبل تنفيذ حكم الإعدام عليه: (اللهم اجعل دمي لعنة على رجال الثورة)، وقد تحقق ذلك وشاهدناه بأنفسنا، فجمال سالم الذي حكم عليه بالإعدام ابتلاه الله بالجنون، وكان في آخر عمره يرتدي عباءة سوداء ويسير في شوارع حي الزمالك بالقاهرة ويقول: (أنا إللي قتلتهم)، فأخذته الحكومة إلى المستشفى العسكري، ولم يكن ينام إلا بالضرب على رأسه بالحذاء مثل النمرود. وبعد جمال سالم رأينا ماذا حدث للجلاد حمزة البسيوني ومعظم رجال الثورة، وقد تحقق فيهم قول الله تعالى:(فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)»(1).
وغير ذلك من المواقف والشواهد والعبر التي تؤكد أن الله سبحانه، للظالمين بالمرصاد، وأن بغيهم على أنفسهم، وكيدهم يرده الله عليهم.
والإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله – له في هذا الأمر بيان بليغ، ولا سيما في خواطره وتعليقاته على مقدمة سورة القصص، وهذا بيان بما ذكر: «وإنك لتقرأ الآية الكريمة في أول سورة القصص: (طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَأمَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 1-6).
تقرأ هذه الآية الكريمة فترى كيف يطغى الباطل في صولته ويعتز بقوته، ويطمئن إلى جبروته ويغفل عن عين الحق التي ترقبه، حتى إذا فرح بما أوتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين وتأخذ بناصر المهضومين المستضعفين، فإذا الباطل منهار من أساسه، وإذا الحق قائم البنيان متين الأركان وإذا أهله هم الغالبون. وليس بعد هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات كتاب الله عذر في اليأس والقنوط لأمة من أمم الإسلام تؤمن بالله ورسوله وكتابه. فمتى يتفقه المسلمون في كتاب الله؟
لمثل هذا يا أخي وهو كثير في دين الله لم ييأس الإخوان المسلمون من أن ينزل نصر الله على هذه الأمم رغم ما يبدوا أمامها من عقبات، وعلى ضوء هذا الأمل يعملون عمل الآمل المجد والله المستعان». (2)
فأبشروا أيها الأحبة، وعلقوا القلوب بمولاكم، وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، ولن يظل المستضعف في الله مستضعفًا أبد الدهر، فبعد الأذى والاستضعاف يأتى التأييد والتمكين، ولن يظل صوت الباطل عاليًا طول الوقت ما دام الحق موجود قائم، فبعد البغي والعلو والاستكبار سينالهم الخزي والشنار، والهلاك والصغار، ولله الأمر من قبل ومن بعد. والحمد لله رب العالمين
————————- (1) المصدر: (حوار الأستاذ على نويتو مع موقع أخوان أونلاين بتاريخ 8/10/2006) (2) رسالة دعوتنا