في النهوض الحضاري

في النهوض الحضاري
لاشك أن حركات الإصلاح والنهوض الإسلامي وفي مقدمتها (الإخوان المسلمين) كان لها الأثر البالغ في صد الهجمة التغريبية التى استهدفت أمة الإسلام واستهدفت النيل من منهج الإسلام وحاولت هز ثوابته وهدم قيمه.

ونترك العلامة أبو الحسن الندوي – رحمه الله – يمس طرفاً من هذا الموضوع ويوصّف واقعاً لهذه الحالة، فيقول في رسالته القيمة (أريد أن أتحدث إلي الإخوان):
«وكان نتيجة ذلك: أن تشجّع الناس وأصبح الدين في هذا البلد شيئا لا يخجل منه المثقفون والمتظرفون، وبدأ الناس يصلّون في المقاهي والنوادي والولائم وقارعة الطريق بعدما كانوا يستحيون من ذلك.
وما لبثت أن تحولت هذه الدعوة الى سيل متدفق وتيار جارف فأمسك سيول الإباحية والتحلل والإلحاد واللادينية وصد تيارات المدنية الغربية التى كانت تجرف بالبقية الباقية من الغيرة الاسلامية والحياة الدينية وأصبحت تؤثر فى حياة البلاد تأثيرا قويا كاد يغير اتجاه البلاد».

لقد قدم الإخوان المسلمون مفهومًا جديدًا للنهضة نابعاً من عقيدة سليمة، حيث عرَّف الإخوان النهضة بأنها نقيض حالة (الانحطاط) التي نعبر اليوم عنها بكلمة (التخلف) وأنها تقوم على ثلاثة أركان:
الأول: هو المثل الأعلى الذي كلما سما سمت نهضة الأمة وتوفرت لها وسائل القوة، ولهذا كان المثل الأعلى الذي وضعه القرآن لأمته هو الإيمان بالله أولًا، ومن هذا الإيمان تستمدّ الأمة سيادتها في قوله تعالي (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). وهذا المعنى للنهضة معنى تنفرد به الأمة الإسلامية؛ «إذ تستند نهضتها إلى جانب الله والإيمان وسلوك سبيله، وهو لا يكون في غيرها من النهضات».

والركنان الآخران للنهضة هما القوة المعنوية والقوة المادية، وبهذه الأمور الثلاثة يتكامل الإطار النظري للنهضة، فإذا قويت روح الأمة وأخلاقها تبع ذلك حتمًا دوام التفكير في وسائل القوة المادية، والتفكير في القوة نفسها، وهذا هو ما يشير القرآن إليه في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). و قوله: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ).

وأن أساس النهضة هو تقديم الإسلام باعتباره: «دينًا قيمًا فيه النظام الشامل والقانون المحكم والدستور الكافل لسعادة الأمم ورفاهيتها وصلاحها في الحياة وبعد الحياة”.
وأن علينا أن نجعل هذا الإسلام المتمكن في نفوس أهله أساسًا للنهضة الشرقية الحديثة، بذلك تصطبغ نهضتنا بصبغة شرقية مجيدة تجذب نحوها أفئدة الشعوب، وتعيد للشرق مجده المسلوب وعزه المغتصب».

«وأن هذا المنهج هو الذي يحقِّق للأمة الإسلامية أن تستعيد (قيادة العالم إلى الخير) أو (أستاذية العالم)، فهي ليست دعوة إلى نهضة محلية فحسب، وإنما هي إيمان بأن الإسلام هو مستقبل الشرق والغرب معًا في ظل الأخوة الإسلامية العالمية».

ولذلك كان طبيعيًا أن يرى الإمام حسن البنا – رحمه الله تعالي – في السعي إلى تقليد الغرب، ومحاولة أن نكون (قطعة من أوروبا) مخاطر جسيمة تهدِّد كيان المسلمين والشرقيين عمومًا وتنسيهم «كرامتهم وعزتهم ومقدساتهم وتنسيهم مهمتهم».

أما الدعائم السياسية للنهضة فيراها الإمام البنا في أربعة أمور:
أولها: القيادة التي تُحدث في الأمة ثورة فكرية تدفع الإنسانية كلها – وليس أمة القائد فقط – إلى الأمام عدة مراحل. والمثل الأعلى في ذلك هو رسول الله ﷺ.

وثانيها: هو الوحدة التي ستزيل كل عوامل الفُرقة التي تمزِّق شمل الأمة وهي – عنده – شرط لازم للاستفادة «من وحدة الأوطان التي تمتدّ من المحيط إلى المحيط»،
وصورة هذه الوحدة عند البنا صورة عملية تتم بأن تقرِّر كل أمة من أمم العالم الإسلامي شعارًا ثلاثيًا هو النظام الإسلامي الاجتماعي في الداخل، والتحرر من كل سلطان أجنبي في الخارج، والتعاون بين الأمم الإسلامية في جميع أنحاء الأرض، وهذه خطوة في سبيل الوحدة السياسية الكاملة التي تأتي بعد ذلك في أوانها.

وثالث الدعائم السياسية للنهضة: التحرُّر من الاستعمار، فهو عدو كل نهضة، وعائق كل تقدُّم، ولا سبيل إلى التحرر من الاستعمار إلا باستخدام القوة، وأهم وسائلها الجهاد المسلح.
والدعامة الرابعة: الحكم الإسلامي، ويقصد به البنا إقامة السلطة السياسية الوازعة التي تجعل (نظام الحكم) إسلاميًا قرآنيًا، (والحكومة) إسلامية صحيحة الإسلام صادقة الإيمان مستقلة التفكير والتنفيذ.

اترك تعليقا