كيف تحيا مهموماً بدعوتك؟ (1)

كيف تحيا مهموماً بدعوتك؟ – الحلقة (1)

أهمية الإنشغال بالدعوة
يقول الإمام الشهيد حسن البنا: «لقد آمنا إيمانًا لا جدال فيه ولا شك معه، واعتقدنا عقيدة أثبت من الرواسي وأعمق من خفايا الضمائر، أنه ليس هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا المعذبة وترشد الإنسانية الحائرة، وتهدي الناس سواء السبيل. وهي لذلك تستحق أن يضحى في سبيل إعلانها والتبشير بها، وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال وكل رخيصٍ وغالٍ، هذه الفكرة هي الإسلام الحنيف الذي لا عوج فيه ولا شر معه ولا ضلال لمن اتبعه، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَأمَ دِينًا) سورة المائدة  3 ».

إن الإيمان بأهمية هذه الدعوة وقدسيتها وجزالة الفضل والثواب من الله للمنشغلين العاملين لها ليعطي المؤمن القوة الحقيقية التي تجعله يتحرك بدعوته، وتجعل الدعوة حية في قلبه، متوهجة في ضميره تجرى في دمه، وهذا ما أكده الشهيد سيد قطب حين قال: «إن المبادىء والأفكار في ذاتها بلا عقيدة دافعة مجرد كلمات خاوية أو على الأكثر معانٍ ميتة، والذى يمنحها الحياة هو حرارة الإيمان المشعة من قلب إنسان، لن يؤمن الآخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهنٍ باردٍ لا في قلبٍ مشع. آمن أنت أولًا بفكرتك، آمن بها حتى الاعتقاد الحار، عند إذن فقد يؤمن بها الآخرون وإلا ستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح. إن كل فكرةٍ عاشت قد اقتاتت قلب إنسان، أما الأفكار التي لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقد ولدت ميت ة ولم تدفع البشرية شبرًا إلى الأمام».

الإيمان أساس نشأة الهمّ بالدعوة
كيف ينشأ الهمّ بالدعوة لدى الفرد؟ لكى نعمل على تنمية الهمّ بالدعوة فإنه يجب علينا أن نوضح كيف نوجد أساس الهمّ بهذه الدعوة، ونلخص ذلك فيما يلى: –
* أن تتوفر المقومات العشرة في الفرد: مع ملاحظة أنها أول مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق فعليه إصلاح نفسه حتى يكون: (قوى الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شئونه، نافعًا لغيره).
* أن تتحقق الأركان العشرة للبيعة: وهي (الفهم، الإخلاص، العمل، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الأخوة، الثقة).
إن توفر المقومات التي ذكرناها في الفرد المسلم، وتحقق أركان البيعة العشرة هي الأساس الذي يجب أن يكون أول ما يشغلنا وهي الخطوة الأولى في تحقيق الأهداف الكبرى وهي إقامة دولة الإسلام التي تحكم بشريعة الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.

والإمام البنا -رضى الله عنه- يرى أن إقامة الدولة يعتمد أول ما يعتمد على الفرد المسلم النموذج فنجده يتحدث عن الأمم الناهضة والمقومات التي يجب توفرها بين أفرادها فيقول: «إنها في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق، وطبع أبنائها على خلق الرجولة، حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقباتٍ، ويتغلبوا على ما يعترضهم من مصاعب. إن الرجل هو سر حياة الأمم ومصدر نهضتها. وإن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس».

ثم يقول: «وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا وتنهض لمهمة كمهمتنا وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات وأن تتعلل بالآمال والأماني. وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاحٍ طويلٍ عنيف، وصراعٍ قوىٍ شديد بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه، وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين. وإن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد، والجهد هو التعب والعناء وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره، وعند الصباح يحمد القوم السرى، وليس للأمة عدة في هذا السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة، والعزيمة الصادقة، والسخاء بالتضحيات، والإقدام عند الملمات، وبغير ذلك تغلب على أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها». (رسالة: هل نحن قوم عمليون؟).

ويقول الأستاذ البنا -رحمه الله-: «إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادىء تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في صفات أربع: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدوا عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره». (رسالة إلى أي شيء ندعو الناس).

التربية هي وسيلتنا لتحقيق مقومات رجل العقيدة:
والأستاذ مصطفى مشهور في كتابه (مقومات رجل العقيدة)، بعد أن ذكر المقومات العشر للفرد المسلم والصفات الأربع التي يجب أن تتمثل في الأمة أو الفئة لتحقيق القوة النفسية العظيمة لها لحمل هذه الدعوة، يقول: «هذه المقومات وتلك الصفات لا تكتسب بالسماع أو القراءة عنها فقط، ولكنها تحتاج إلى التربية والتوجيه والتعهد الدائم، لذلك تميزت دعوة الإخوان بالاهتمام بالتربية وإعداد الأفراد رجالًا ونساءً ولها في ذلك وسائل متعددة خرّجت ولا زالت تخرج نماذج طيبة للفرد المسلم القدوة، أخًا كان أو أختًا، وكذلك البيوت المسلمة النموذجية».

وأهم ما يميز هؤلاء الذين تربوا بهدف تحقق هذه الصفات لديهم وتلبسهم بها، الإصرار على حمل عبء الدعوة إلى الله ودعوة الناس إليها رغم كل ما تعرضوا له من سجن وتعذيب وإيذاء ونفي وإبعاد لا لشيء إلا لأنهم يعلمون جيدًا أن ذلك واجبهم الذي أوجبه الله عليهم نحو دينهم ونحو الناس، فلا يشعرون بالراحة حتى يبلغوا الدعوة ويشهدوا الله على ذلك ويكونوا كما أرادهم الله شهداء على الناس فتبرأ بذلك ساحتهم أمام الله، بل ولهم بمشيئة الله الأجر والمثوبة من رب العالمين.

وإن الألم الذي يستشعرونه بانشغال المدعويين عنهم وانصرافهم عن الدعوة أو الصد عنها، رغم أنه لا يفت في عضدهم أو يثبط من عزيمتهم في المضي في طريقهم وتكرار الدعوة لهم للمرة العاشرة أو يزيد فلن يملّوا حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا، هؤلاء الدعاة يسعدهم نصر الله لهم بهداية المدعويين أو حتى بهداية واحد منهم لأنهم يعلمون ويدركون صدق وعد الله لهم «لأن يهدى الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم، أوخير لك من الدنيا وما فيها»، أو كما قال رسول الله ﷺ.

* والتربية في الإسلام تربية شاملة شمول الإسلام ولكن التربية الإيمانية هي أولى وأهم عمل تربوى يقوم به الفرد نحو نفسه على المستوى الفردي وتوليه الجماعة كل اهتمامها وتأخذ بكل الأسباب التي تحقق هدفها وتعتبر نجاحها في تحقيقه هو وحده بمشيئة الله الذي يعّول عليه لتحقيق باقى الأهداف والصفات والمقومات والخصائص بل والكمالات التي تسعى إلى تحقيقها على المستويين الفردي والجماعي، وهو فضلًا عن ذلك المكون الأساسي لإيجاد الهمّ بالدعوة والعمل لها عند الأفراد.

الاهتمام بقضية العقيدة 
وقد ذكر الأستاذ مصطفى مشهور في كتابه (مقومات رجل العقيدة): «أن الإمام البنا قد اهتم بقضية العقيدة في أحاديثه وكتاباته وتربيته للإخوان، وله رسالة تسمى رسالة العقائد تناول فيها بدقة ما يلزم أن يعلمه رجل الدعوة عن قضية العقيدة وما يتصل بها في اعتدال سليم دون غلو أو انحراف، كما اهتم ‘كتّاب الإخوان بهذه القضية في كتبهم وكتاباتهم. ثم إن العقيدة تثمر الإيمان الصادق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. والإيمان هو كل شيء بالنسبة للإنسان بل هو الحياة الحقيقية له مصداقًا لقول الله تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) سورة الأنعام 122. وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم). سورة الأنفال 24 ».

——————————-
إنتهى الجزء الأول، وللموضوع بقية في الجزء الثاني إن شاء الله

اترك تعليقا