مبادئ في تربية الأمم ونهضة الشعوب – زاد السائرين بقلم: محمد حامد عليوة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد تمر أمتنا هذه الأيام بظروف عصيبة، حيث يسودها الإنقسام والفرقة، وتنال منها أسهم الأعداء والمتربصين بها من كل حدب وصوب، وتراق دماء أبنائها وتنتهك حرماتهم وحرياتهم في كثير من البقاع، فتن ومواجع وصراعات تجعل الحليم حيران، وتؤلم القلوب المخلصة الحية، التي تخاف على دينها ودعوتها، وتريد السيادة والعزة والكرامة لأمتها.
ومما يُؤسَف له أن تُستَغل بعض الأنظمة الحاكمة في أمتنا لتكون أداة في أيدي الخصوم والأعداء، للنيل من أمتنا والوقوف في وجه الشعوب التي تتوق للحرية والعزة والكرامة. ولعل هذه الهجمة على الأمة ومقدساتها وقيمها – رغم ضراوتها – دليل على أن الأعداء وأعوانهم يخشون من نهوضها، وعودتها لدينها، فهم يعلمون أن أمة الإسلام تمتلك مقومات الريادة والسيادة – إن عادت بحق لديها -، ولذلك يحرصون على إبعاد الأمة عن مقومات نهوضها ونهضتها.
وبالمقاييس القرآنية لا ينبغى أن تأخذنا هذه الحالة وتلك الظروف العصيبة إلى القنوط واليأس من رحمة الله، ونصره وتأييده لعباده وأوليائه (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)غافر:51،(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) المجادلة:21، أو تنسينا هذه الظروف والأحوال أن الله سبحانه بيده الأمره، وأنه قوي عزيز قادر، وأنه موهن كيد الكافرين، ومن ورائهم مُحيط.
واجبنا نحو هذا الواقع وبالتالي وجب علينا بداية ألا يتطرق الضعف إلى نفوسنا، ولا يتسلل اليأس إلى قلوبنا، لأن قول الله حق ووعده صدق، ولكن الأمر يحتاج إلى جهاد ومجاهدة، وصبر وثبات وعمل، لأن النهوض الحقيقي للأمم لا يصلح معه التسلي بالمسكنات أو التعلل بالأمال والأمنيات، دون كفاح طويل.
والإمام حسن البنا يوضح هذا الأمر فيقول: «إن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا، وتنهض لمهمة كمهمتنا، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات، أو تتعلل بالآمال والأماني، وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف، وصراع قوي شديد بين الحق والباطل، وبين النافع والضار، وبين صاحب الحق وغاصبه، وسالك الطريق وناكبه، وبين المخلصيين الغيورين والأدعياء المزيفين، وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد، والجهد هو التعب والعناء، وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره، وعند الصباح يحمد القوم السرى».
«وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا: – النفس المؤمنة – العزيمة القوية الصادقة – والسخاء بالتضحيات – والاقدام عنى الملمات، وبغير ذلك تُغلب على أمرها، ويكون الفشل حليف أبنائها». رسالة هل نحن قوم عمليون؟
القانون الرباني في نهضة الأمم وتغير الشعوب إن لله – تبارك وتعالى – قانون في خلقه، وسنة لن تتبدل، ولن تجد لسنة الله تبديلا، (إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد:11 وأن سبب ضعف الأمم وذلة الشعوب وهن نفوسها، وضعف قلوبها، وخلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة وصفات الرجولة الصحيحة، وإن كثر عددها وزادت خيراتها وثمراتها، وفي حديث النبي ﷺ «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»،أن سبب الضعف هو الوهن، ولما سُئل ﷺ: وما الوهن يا رسول الله؟ قال:«حب الدنيا وكراهية الموت». (أخرجه أحمد في مسنده)
الأركان الأربعة لنهضة الأمم والشعوب يقول الأستاذ حسن البنا – رحمه الله -: «إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور: – إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، – ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، – وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، – ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره، على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تُبنى المبادئ، وتتربى الأمم الناهضة وتتكون الشعوب الفتية ووتتجدد الحياة فيمَن حُرموا الحياة زمنًا طويلًا. وكل شعبٍ فقد هذه الصفات الأربعة أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه فهو شعبٌ عابثٌ مسكين، لا يصل إلى خيرٍ ولا يحقق أملًا، وحسبه أن يعيش في جوٍّ من الأحلام والظنون والأوهام. ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ (يونس: من الآية 36)». (رسالة إلى أي شيء ندعو الناس).
بناء النفوس أساس النهوض إن الأخذ بالمقومات المادية لنهوض الأمم أمر هام وضروري، فالتطور العلمي والتكنولوجي، وامتلاك المؤسسات، وتشييد المرافق، وتوفير الخدمات، وسن القوانيين والتشريعات، وغيرها من وسائل النمو والتطور في الأمم والشعوب، لها أثرها البالغ في نهضة الأمم والشعوب، ولكن ليس هذا فقط هو أساس النهوض، بل ليس هذا هو دليل النهوض الكامل والتحضر الشامل.
يقول الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله -: «ولكن الأمم المجاهدة التي تواجه نهضة جديدة وتجتاز دور انتقال خطير، وتريد أن تبني حياتها المستقبلية على أساس متين يضمن للجيل الناشئ الرفاهة والهناءة، وتطالب بحق مسلوب وعز مغصوب، في حاجة إلى بناء آخر غير هذه الأبنية، إنها في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة، حتى يصمد لما يقف في طريقهم من عقبات ويتغلبوا على ما يعترضهم من مصاعب.
إن الرجل سرُّ حياة الأمم ومصدر نهضتها، وإن تاريخ الأمم جميعا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات، وإن قوة الأمم تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوافر فيهم شرائط الرجولة، وإني أعتقد – والتاريخ يؤيدني – أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحَّت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء.» رسالة هل نحن قوم عمليون؟
خلاصة القول (إنها الرجولة الصحيحة): عندما تتحقق التربية ويتميز التكوين ويتركز البناء؛ تصح الرجولة ويكون لدى الفرد من القوة النفسية والإرادة القوية ما تجعله أساس النجاح الدافع، والتغيير النافع، والاصلاح الواسع، الواسع في حجمه ومداه، العميق فى أثره ومغزاه، لأن الرجال الأسوياء الأقوياء هم سر نجاح الأمم وأساس نهضة الشعوب. وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين