مراحل الدعوة ومسارات العمل

مراحل الدعوة ومسارات العمل – (مع زاد السائرين)

إن صاحب الدعوة يدرك أنَّ مسارات العمل، وخطوات التنفيذ تُعَدّ من الأمور الأساسية والمعالم الرئيسة لدعوة الإخوان المسلمين، ومكملًا أساسيًا لمنهجها في التغيير، وذلك بتحديد المسارات والخطوات التي يجب أن نسير فيها، ونعمل من خلالها حتى يمكن الوصول إلى تحقيق الغاية والأهداف التي من أجلها قامت دعوة الإخوان المسلمين، وربما يخطئ البعض في كيفية الوصول إليها، ولذا؛ فيجب التأكيد من آنٍ لآخر على مراحل الدعوة ووسائلها التي يمكن بها تحقيق الأهداف والآمال المنشودة، وعلى صاحب الدعوة أن يتذكر دائمًا مراحل الدعوة الثلاث التي حددها الإمام حسن البنا – يرحمه الله – وهي التعريف والتكوين والتنفيذ.

كما في قوله – يرحمه الله -: «وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك لأنهم اعتقدوا أن كل دعوة لا بدَّ لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة، وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار، وإعداد الجنود، وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيرًا ما تسير هذه المراحل الثلاث جنبًا إلى جنب، نظرًا لوحدة الدعوة وقوة الارتباط فيها جميعًا، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك» (رسالة المؤتمر الخامس).

الداعية الأول
لقد كان الحبيب محمد : الداعية الذي ينذر قومه، والمربي الذي يتخير أصحابه ويقوم على تربيتهم وإعدادهم، والمعلم والأستاذ الذي يعلمهم أمور دينهم، والقائد والمجاهد في سبيل تحقيق رفعة هذا الدين، وعلى هذا النهج النبوي سار الصحابة الكرام، والتابعون والسلف الصالح رضوان الله عليهم،

ولذا؛ فعلى صاحب الدعوة أن يوقن بأنَّ التدرج في الخطوات من أصول وفقه العمل في دعوة الإخوان المسلمين، كما أنه اتباعٌ للخطوات التي سلكتها دعوة الإسلام الأولى على نهج الحبيب من إعلان بهذه الدعوة ونضال في سبيلها لا يمل، وتخير النفوس المستعدة لذلك، والإخاء بينها وتمكين الإيمان في قلوبهم، ثم نضال وكفاح دائم ومستمر لإعلاء كلمة الله في الأرض والتمكين لدينه في ربوع العالم حتى تكونت الدولة الإسلامية الأولى ثم الخلافة الراشدة والحضارة الإسلامية الرائدة، والتي كانت نموذجًا يحتذى به في العالم أجمع.

ينبغي على صاحب الدعوة أن يعلم هذه المراحل الثلاث وأنها تسير جنبًا إلى جنب، فمرحلة التعريف والدعاية هي أساس لنشر الفكرة والإقناع بها، ومرحلة التكوين وتخير الأنصار لا غنى عنها في بناء صف مؤمن متماسك، ومرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج هي الامتداد الحقيقي والناتج الطبيعي للمراحل السابقة،

ولذا؛ فصاحب الدعوة لا ينبغي له أن يغلب جانبًا على آخر؛ لأنه يدرك خطورة هذا الأمر، فإذا ضعف التعريف قل الأنصار، وترتب على ذلك ضعف التنفيذ وعدم تحقيق الأهداف المنشودة، وإذا ضعفت التربية والتكوين ضعف بناء الأفراد وتكوينهم مما يترتب عليه ضعف القيام بالتعريف والتنفيذ والعمل والإنتاج، وتأخر التمكين والنصر، وإذا ضعف التنفيذ أدَّى ذلك إلى تأخر الخطوات والمراحل التي تسهم في تحقيق النصر والتمكين لدين الله، كما ينبغي.

توازن مطلوب على صاحب الدعوة أن يدرك أنه إذا غلب التنفيذ على التكوين ضعف البناء، وقل تماسكه وأصبح عرضة للخطر في مهب الريح، وإذا غلب التكوين على التعريف والتنفيذ انحسرت الدعوة وقل أثرها في نفوس الجماهير والمحبين لها، والذين يمثلون القاعدة الأساسية للانطلاق نحو تحقيق النهضة الإسلامية الموفقة، وإذا غلب التعريف على التكوين والتنفيذ ضعفت الفكرة والرسالة والدعوة؛ لأنها لا تجد من يحملها ويتحمل تبعاتها.

إن السير المتوازن بين مراحل الدعوة الثلاث، وعدم تغليب مرحلة على أخرى أمرٌ لازمٌ وضروريٌ حتى يتحقق التكامل والترابط والانسجام المطلوب بين المجالات المتعددة للدعوة.
وما أجمل هذه الكلمات التي يعبر فيها الإمام البنا – يرحمه الله – عن حالة التوازن المطلوب تحقيقها بقوله:

«ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها، وحولوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر، وما هي منكم ببعيد ». (رسالة هل نحن قوم عمليون؟).

مراحل الدعوة ومسارات العمل

نواميس وسنن
ولذا فعلى صاحب الدعوة أن يحدث هذا التوازن بين المراحل الثلاث دون أن يغلِّب جانبًا على آخر، ودون تقصير فيه أو إهمال له؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل في هذا الكون نواميس وسننًا، وعلى أصحاب الدعوات أن يستخدموها ويستعينوا ببعضها على بعض، ولا يصادموها فإنها غلابة، والأمم المجاهدة في أمسِّ الحاجة إلى بناء النفوس، وتشييد الأخلاق، وطبع أبنائها على خلق الرجولة حتى يصمدوا أمام العقبات التي تقف في طريقهم، ويتغلبوا على ما يعترضهم من مصاعب وتحديات.

إن الفرض الأساسي والمهمة الرئيسة التي ترمي لها دعوة (الإخوان المسلمين) هي تربية الأمة على النفس الفاضلة والخلق النبيل السامي، والعمل على تنمية الرجولة الصحية في نفوس الأمة حتى يمكن لها الذود عن كرامتها، والجد في استرداد مجدها، وتحمل كل عنت ومشقة في سبيل الوصول إلى الغاية، وتحقيق الأهداف المرجوة،

وعلى هذا الأساس تُبنى نهضات الأمم والشعوب، ولكي يتحقق ذلك فصاحب الدعوة في حاجة إلى نشر الفكرة العامة بين الناس بكل وسائل الوعظ والإرشاد، وتقديم النفع العام بإقامة المنشآت النافعة وغير ذلك من الوسائل العلمية التي تسهم في زيادة الالتزام بمبادئ وأخلاق وقيم الإسلام بصورة عملية وتطبيقية، مما يسهم في عملية البناء والتكوين العملي للعناصر الصالحة التي تحمل أعباء الدعوة من غير تردد أو شك، وذلك يؤدي إلى العمل المتواصل والنضال المستمر والجهاد المضني في سبيل الوصول إلى تحقيق الآمال والطموحات التي يسعى لها أصحاب الدعوات.

إن صاحب الدعوة قد يتعرض في بعض الأحيان لعدد من الأفكار والدعوات التي قد تتعارض مع نهج هذه الجماعة المباركة، والمراحل الثلاث التي تسير عليها والتوازن بينها تحت زعم أنها محاولة للتغلب على العقبات والتحديات التي تواجه الدعوة، وعلى صاحب الدعوة أن يدرك أن مثل هذه الأفكار وغيرها ليست هي السبيل لتحقيق الإصلاح الشامل الذي ننشده، والذي يبدأ من إصلاح الفرد نفسه وتكوين البيت المسلم، وإرشاد المجتمع إلى تعاليم الإسلام وقيمه الصالحة، ثم تحرير الأوطان وإصلاح الحكومات حتى تكون إسلامية بحق، ثم إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية وتحقيق أستاذية العالم،

وهذه الأهداف العظيمة تتطلب من صاحب الدعوة السير في المراحل الثلاث دون تغليب أو إخلال بمرحلة دون الأخرى، أو الفصل بينها، لأن وحدة العمل والترابط بين أجزائه يسهم في تحقيق الاستمرار في العمل والنجاح والتأثير والانتشار والنماء في مجالاته المتعددة، والتي تشمل جميع مناحي الحياة.
على صاحب الدعوة أن يدرك الواجبات الأساسية المنوطة به لإحداث هذا التوازن والتكامل بين هذه المراحل الثلاث، ومن هذه الواجبات:

أولًا: مرحلة التعريف:
1- الإلمام الجيد بمبادئ وقيم الإسلام العظيمة وتطبيقها عمليًا.
2- الإعداد المناسب بما يسهم في حمل هذه المبادئ والقيم والعمل على تعميقها في نفوس أفراد المجتمع بكل دوائره وشرائحه.
3- الاستخدام الأمثل للغة الخطاب الدعوي المناسب لكل شريحة، وما يناسب عموم المجتمع للتعبير عن الفهم الصحيح والشامل للإسلام دون إفراط أو تفريط لتحقيق الفهم الوسطي للإسلام لدى أبناء الأمة الإسلامية.
4- التجديد والابتكار في الوسائل والأساليب الفاعلة والمؤثرة والمناسبة لكل فئة وشريحة.
5- إيجاد الأوعية المتنوعة لاستيعاب المتعاطفين وتوعيتهم بدعوة الإسلام.
6- التنسيق الدائم والتعاون المستمر مع العاملين في مجال الدعوة الإسلامية والعمل على توحيد الطاقات والجهود لخدمة الإسلام.

ثانيًا: مرحلة التكوين:
1- تقديم القدوة العملية في إصلاح النفس والارتقاء بها.
2- حسن اختيار وانتقاء العناصر الصالحة لحمل هذه الدعوة.
3- الإعداد الجيد والتكوين المستمر للمربي الناجح صاحب الخبرة والتأثير فيمن حوله، ولديه القدرة على الارتقاء بالآخرين وتغييرهم من حال إلى حال أفضل، ومن منهج محدد ووسائل محددة.
4- استخدام الوسائل والأساليب التربوية المتنوعة والمناسبة والمؤثرة لكل شريحة أو فئة.
5- توظيف المناهج التربوية بحيث تتجاوز مجرد الأطر المعرفية والنظرية إلى الأطر العملية والسلوكية والمهارية.
6- تهيئة البيئة التربوية المناسبة والمؤثرة في بناء الشخصية وتكوينها.

ثالثًا: مرحلة التنفيذ:
1- الأخذ بمبادئ التخطيط الدقيق والسليم؛ لتحقيق الأهداف والآمال المنشودة في مجالات الدعوة المتعددة.
2- التوظيف الجيد للطاقات والمواهب المتعددة في جميع مناشط الدعوة.
3- التنوع والتجديد المستمر في مسارات وآليات العمل الدعوي بما يناسب الظروف التي تمر بها.
4- إيجاد القيادة المؤثرة؛ لريادة المجتمع وتوجيهها نحو الإسلام.
5- العمل المتواصل الدؤوب دون توقف أو تراجع أو انكماش.
6- النضال السلمي والكفاح الدائم والجهاد المضني؛ لتحقيق الآمال والطموحات والأماني المعقودة على أبناء هذه الدعوة المباركة.

وبعد.
فإن السير المتوازن بين مراحل الدعوة الثلاث – التعريف والتكوين والتنفيذ – هو الطريق الموصل إلى تحقيق الأهداف المنشودة مهما طال الزمن أو كثرت العقبات أو عظمت التحديات؛ لأن صاحب الدعوة يدرك أن الدولة الإسلامية التي تعرضت لكثير من عوامل الضعف في قرون لا يعقل أن تبنى في سنوات، وهذا الأمر يحتاج إلى الصبر والثبات وتقوى الله عز وجل كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) آل عمران، ولذا فعلى صاحب الدعوة أن يستشعر هذه المعاني والمفاهيم، ويعمل على تحقيق هذه الواجبات دون ضعف أو وهن بل بصبر وثبات وإيمان.

الفرد المؤسسة
ولعل هذا الشمول سواء في المنهج العام للجماعة أو لتربية أفرادها هو ما يمكن أن يطلق عليه محاولة إيجاد الفرد المؤسسة الذي يستطيع يحمل أعباء هذه الدعوة ويتحرك بها محققًا لأهدافها ومضحيًا في سبيلها وسط هذا البحر الهائج من التحديات مختلفة الأنواع والأشكال.

إن تحقيق الأهداف السامية للإسلام يتطلب شخصًا له مواصفات خاصة شاملًا لكل جوانب الإسلام في ذات الوقت لمواكبة العصر ومتغيراته وتحدياته:
«فقد يرى الناس الأخ المسلم في المحراب خاشعًا متبتلًا يبكي ويتذلل. وبعد قليل سيكون هو بعينه واعظًا مدرسًا يقرع الآذان بزواجر الوعظ. وبعد قليل تراه نفسه رياضيًّا أنيقًا يرمي بالكرة أو يدرب على العدو أو يمارس السباحة، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص.
هذه مظاهر قد يراها الناس متنافرة لا يلتئم بعضها ببعض، ولو علموا أنها جميعًا يجمعها الإسلام ويأمر بها الإسلام ويحض عليها الإسلام لتحققوا فيها مظاهر الالتئام ومعاني الانسجام».

——————-
المصدر: مقال منشور فى (رسالة الإخوان).

اترك تعليقا