مع الشارح الأول لمبادئ الدعوة – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة
الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – أحد رواد الدعوة الإسلامية، وقائد رباني من قادتها، عاش لدعوته أغلب عمره وظل ثابتاً على طريقها حتى إنتقل إلى جوار ربه، وهو رافع رايتها ورُبان سفينتها.
وقد ترك فضيلته مجموعة من الرسائل والمؤلفات الهامة التى مثلت الزاد التربوي الشامل (فكرياً وقلبياً وحركياً) لأبناء الدعوة. وأصَّلت وشرحت منهج هذه الدعوة المباركة، التى بدأها الإمام حسن البنا، مقتفياً طريق رسول الله ﷺ. وقد مثلت هذه الرسائل والمؤلفات مصدراً أساسياً لفهم طبيعة هذه الدعوة، ومعالم طريقها، وما يجب على السالكين لدربها، سواء كانوا قادة أم جنود. وغيرها من القضايا الهامة.
«إن من يقرأ فى كتابات فضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله -، يتوقف أمام فكرة أساسية هي: المضيّ فى طريق الدعوة مهما كانت العقبات، فقد امتزجت هذه الفكرة فى شخصه، وتغلغلت فى أعماقه، حتى لقبه البعض (بالشارح الأول لمبادئ الإخوان)، وقد احتلت فكرة ضبط الدعوة بأصولها ووزنها بميزان مبادئها حيزاً كبيراً فى فكره وكتاباته الكثيرة التى تربو على عشرين كتاباً».(1)
وكان أبرز ما شغله في حياته، التوازن بين الدعوة في حركتها العامة، وخاصة على صعيد العمل السياسي، وبين ميدانها الأصيل وهو ميدان العمل التربوي. كما احتلت فكرة الدولة الإسلامية مكاناً بارزاً في تفكيره وكتبه، بمعناها الحضاري الواسع، ورأى أن الدولة بناء ضخم يحتاج إلى أساس عريض وعميق ومتين، وبالتالي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، على اعتبار أن الأساس أشق مراحل البناء، وكان دائماً يردد: «لا نريد لبنائنا أن يقوم ثم ينهار». ومن هنا يمكن فهم اهتمامه بالعمل البرلماني وقضية الانتخابات، وكذلك العمل النقابي الخدمي والخيري، باعتبارها وسائل تعين على قيام الدولة الإسلامية.
وكان دائماً ما يرد على من يشككون فى منهج الدعوة وطريقها وطول أمد تحقيقها لأهدافها، فيقول: «الزمن لا يقاس بعمر الأفراد، بل بعمر الدعوات والأمم». وحينما كان يشكك البعض فى التمكين للدعوة ويقول: إنكم مكثتم سبعين سنة، ولم تحققوا أهدافكم ولم تُقيموا الدولة أو تصلوا للخلافة!!. وبالتالي إما أن تكون طريقكن خاطئة، وإما أنكم لستم أهلاً لهذه المهمة!!. فكان رده – رحمه الله – على ذلك: «إن طريقنا صحيحة؛ لأن الإمام البنا اقتبسها من سيرة الرسول ﷺ وإننا أهل لهذه المهمة؛ لأننا تعرضنا للمحن في سنة 1954م، 1965م، وثبتنا الله، واستشهد منا من استشهد. ولسنا مستعجلين فى السير على الطريق، فنحن نصبر – ولو مكثنا مائة سنة – على تحقيق هذه الدولة، وهذا ليس بالكثير على تحقيق هذا الهدف الكبير. اليهود يخططون لإقامة دولتهم المزعومة من النيل إلى الفرات منذ أكثر من مائة سنة، ولم يستقروا بعد، ولن يستقروا – إن شاء الله».
كتب – رحمه الله – عن طريق الدعوة، موصفاً معالمه وموضحاً طبيعته، فى كتابه القيم (تساؤلات على الطريق)، تحت عنوان: (طريق الدعوة أفضل الطرق)، محدداً ثلاثة مبادئ لابد لمن يسلكون هذا الطريق أن يحافظوا عليها وهي: (ثقة بالله .. هدف واضح .. طريق صحيح)، وبعدها فصَّل حديثه فذكر: «الجدير بمن يسلك طريقًا إلى هدف أو غاية ينشدها أن يكون واثقًا مطمئنًا متثبتًا من أنه على الطريق الصحيح الذي يصل به إلى غايته، ولا يجوز أن يترك نفسه في شك أو ريبة من سلامة المسير، وإلا لتعرض للتيه والضياع، وبقدر ما يسترشد بذوى الخبرة والدراية بالطريق ومعالمه بقدر ما يسلم من الانحراف عنه ويزداد اطمئنانًا كلما وجد هذه المعالم التي ذكروها له، ولو كان بعضها موحشًا مفزعًا، فلا يفزع ولكن يطمئن طالما أنها من معالمه.
ولما كان طريق الدعوة هو أفضل طريق لأسمى غاية، وسلوكه والتزام مساره قضية مصيرية للأخ المسلم وليس قضية فرعية وجب عليه الاطمئنان الكامل والثقة التامة والدائمة بسلامة وجهته وأنه على الطريق الصحيح لأداء واجباته ومتطلبات الإسلام منه ولكى ينطلق في عمله وحركته وجهاده وإنتاجه في حقل الدعوة بكل طاقاته دون تردد ولا كسل ودون تأثر بتشكيك أو تثبيط.
وتزداد حاجة من يسلك طريق الدعوة الى الاطمئنان و التثبت إذا علم أن الشيطان يقعد له على الطريق محاولاً صرفه دون يأس وقد ألزم نفسه بهذه المهمة: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)) سورة الأعراف، والله يحذرنا من ذلك ويدعونا الى التزام صراطه فيقول: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)). سورة الأنعام.
وليس بالضرورة أن يكون الانحراف عن الصراط الى لهو أو فسق، ولكن يمكن أن يأتيه من قبل الإسلام نفسه بانحراف فكرى أو حركى يزينه له ويصرفه بذلك عن الطريق الصحيح.
لذلك كان لزاماً علينا – ونحن على طريق الدعوة – أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر، وأن يأخذ بعضنا بأيدى بعض ويرشد السابقون منا على الطريق إخوانهم اللاحقين بهم ويحذرونهم من العقبات و المنعطفات كى يتخطوا العقبات ويتحرزوا من المنعطفات، وهذا من أوجب واجبات الأخوة، خاصة إذا علمنا أن الذى ينحرف لايشعر أنه انحرف ويلبس عليه إبليس أنه على الطريق الصحيح وغيره هو الذى انحرف».(2)
رحم الله فضيلة الأستاذ مصطفى مشهور، وجعل جهده وجهاده على طريق الدعوة والتربية والأصالة فى ميزان حسناته، ونفعنا وإخواننا بذلك، وأنصح نفسي وإخواني بالتزود الدائم من سلسلة (من فقه الدعوة) لفضيلته، ففيها رصيد زاخر من الفهم الصحيح، والرؤية الواضحة، والتجربة الميدانية، فقد جمع فيها – رحمه الله – بين (أصالة الدعوة – ورصيد الخبرة – وروعة التجربة)، وقضى مايقرب من 65 سنة من عمره على طريق الدعوة، عاملاً ثابتاً محتسباً، فجزاه الله عنا وعن دعوة الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
(1) من مقال نُشر فى مجلة المجتمع، الكويت، العدد 1528، بتاريخ 2002/11/23م. (2) كتاب: (تساؤلات على طريق الدعوة)، للأستاذ مصطفى مشهور.