
مع المربي الأستاذ لاشين أبو شنب
- zadussaerinweb@gmail.com
- سبتمبر 28, 2022
- التربية الدعوية
- 0 Comments
مع المربي الأستاذ لاشين أبو شنب (أسد الدعوة الصادع بالحق)
بقلم: د. محمد حامد عليوة
عُرف الرجل بقوته في الحق وبلاغته في الحديث لا يهاب خصوم دعوته ولا يخشى في الله لومة لائم، فكان – رحمه الله – قوياً في عرض دعوته، أبياً في مواجهة محنها وعقباتها، حنياً مع إخوانه ومريديه، وفياً لبيعته ثابتاً على طريق دعوته، كما عرف عنه عذوبة أسلوبه وفصاحة خطابه وقوة حجته، فكان أصدق وصف لشخصية الرجل أنه (أسد الدعوة الصادع بالحق). وقد شهدت له بذلك جولاته وصولاته في أكثر من ميدان، فكان فارساً في المنابر والمحافل، مربياً في منارات العلم من المعاهد والمدارس، سياسياً قوياً ومصلحاً أبياً تحت قبة البرلمان، وكذلك كان زاهداً ربانياً في محاريب الطاعة ودروب الحياة.
لندع الرجل يحكي عن نفسه وعلاقته بالدعوة، فيقول – رحمه الله -: «كانت بداية معرفتي بالإخوان سنة 1940م تقريبًا، عندما كنت في الصف الثالث الإعدادي؛ حيث قابلت الإمام الشهيد حسن البنا ضمن جولاته التي كان يطوف فيها المدن في المناسبات المتعددة، واستمعت إليه، وكان ذلك في ذكرى هجرة الرسول ﷺ ولم أكن في ذلك الوقت أستوعبُ كل ما قاله، لكني كنت معجبًا بأدائه ولباقته وقوته في العرض، وكان حريصًا بعد أن ينتهي من كلامه أن يستمع إلى كل شخص يسلِّم عليه وأن يتعرَّف به، وتعرفت عليه وذكرت له اسمي.
وفي العام التالي مباشرةً أعلن في معهد شبين الكوم الذي كنت أدرس فيه وقتها أن هناك محاضرةً للإمام حسن البنا ستكون في مدينة طنطا بجوار محطة القطار، فذهبتُ واستمعتُ إليه، وبعد ذلك استضاف الإخوان الإمام حسن البنا في مقر شعبة قسم ثاني بطنطا، وهناك التقيت به ووجدته يسلِّم عليَّ ويذكر اسمي، وأنّي في معهد شبين الكوم الديني، وأصابتني الدهشة لأن يظل متذكرًا اسمي، وغلبني البكاء!
وكان معهد شبين الكوم يُعتبر شعبةً إخوانيةً قائمةً بذاتها، وكان أغلب من فيه من الإخوان المسلمين، فكان كل النشاط فيه إخوانيًّا، مثل الأسر الإخوانية والكتائب والمحاضرات، وكل الأنشطة الدعوية والرياضية، وكنت مسئولًا عن المعهد الأزهري في شبين الكوم، إلى أن تم تحويلي- وأنا في السنة الخامسة الثانوية- إجباريًّا إلى المعهد الأزهري بالزقازيق؛ بسبب انتمائي إلى الإخوان المسلمين، وأخذت شهادة الثانوية من معهد الزقازيق.»

لاشين أبو شنب رحَّالة الدعوة:
كان من رحَّالة الإخوان المسلمين الذين جابوا العالم شرقًا وغربًا، فقد سافر إلى الكويت والسعودية والإمارات وقطر واليمن وتركيا، كما زار عدداً من الدول الغربية من بينها؛ أمريكا وكندا وألمانيا والنمسا وفرنسا وإنجلترا واليونان وألبانيا، وكانت زياراته لهذه الدول مندوبًا عن الإخوان المسلمين، وهكذا عاش الرجل بدعوته ولدعوته يجوب بها الأفاق.
من ذكرياته على طريق الدعوة:
يقول:
– عندما أصبح المستشار حسن الهضيبي مرشدًا للإخوان المسلمين بعد اغتيال الإمام البنا كان حريصًا على التواصل مع الإخوان في جميع القطر المصري، فأرسل مجموعات لمديريات كثيرة وكنت من ضمن المرسلين إلى مديريتي المنيا وسوهاج، وكان يحرص على أن يطلع على التقارير التي كنا نعدها عن زياراتنا هذه وعما تم من عمل.
– أما الأستاذ عمر التلمساني فكان والدًا بارًّا حنونًا عطوفًا، وكنا نسعد بلقائه؛ لأننا نرى فيه هذا العنصر الفياض من الحب والمودة ولين الجانب؛ مما جعله نمطًا من أنماط الدعوي على أسمى صورها.
– أما أيام الأستاذ محمد حامد أبو النصر فكنت وقتها عضوًا في مجلس الشعب وكانت السياسة (وخدانا). وبصفة عامة فإن كل المرشدين- والحمد لله- كانوا على أكفأ مستوى من القيادة، وكانت آثارهم ظاهرةً وباديةً في الأجيال التي تتعاقب على هذه الدعوة، فهم خيار من خيار، وكلهم يمثلون جانبًا مهمًّا ورئيسيًّا من جوانب المعرفة الحقيقية والتجارب الحية النابضة بكل معاني الأخوَّة والحب والإخلاص في كل وقت.
الذكريات الربانية مع شهر رمضان
عبر الرجل يوماً عن زكرياته الربانية مع شهر رمضان، فقال: «بشكل عام فإن رمضان بالنسبة لي ولكل المسلمين شهر يعيش فيه المسلمون في عافية إيمانية، ويتعوَّدون فيه على المُثُل العليا والأخذ بالقيم الحميدة المجيدة العالية، ويستشعرون فيه جمال الخشية من الله عز وجل، وهو شهر العفة والمكرمات والخير، وشهر التزكية الحقيقية والتهذيب للنفس بكل أنواع التهذيب، فهو ميدان التزكية والإحساس بالمسئولية الذاتية عن إيمان الإنسان بربه وعن إقباله عليه وعن معرفته بما يجب أن تكون عليه مشاعر الإنسان المؤمن وطبيعته وأخلاقه.

– وعندما كان يأتي شهر رمضان ونحن في السجن فكنا نعتبره منحة ربانية، لا يستطيع الإنسان أن يحصلها في خارج السجن، فخارج السجن إخوة قلما يجتمعون ولكنهم في السجن يجتمعون على طعام واحد وعلى عمل واحد، يستشعرون فيه جمال الأخوَّة وحسنها، وما تؤتيه هذه الإخوة من ثمار ومن قوة، يستفيد منا الإنسان فيخرج بتجربة رمضانية في داخل السجن لا يخرج بها في خارجه، وتلك نعمة كبرى من الله عز وجل؛ ولذلك كنا نطمئن إلى قدر الله في أي صورة من صوره وأي شكل من أشكاله.»
من أقواله – رحمه الله-:
1- «التقوى بلا وعيّ غفلة، والوعيّ من غير تقوى فجور، والحماسة من غير بصيرة طيّش، والبصيرة من غير حماسة هدر، والوقوف عند الحد التراثي في الثقافة جُمود، والاكتفاء بالثقافة المعاصرة انسلاخ.»
2- «ارتباط المسلم بغاية محدودة يجعل من نفسه عرضة لسيطرة عوامل الضعف كاليأس والخوف والقنوط والإحباط والتردد والشك، فاجعل غايتك الله وامنيتك أن تُقبض غير مضيع ولا مفتون.»
3- «لا إنتاج بغير أخلاق، ولا إبداع بغير قيم، وإن القيم الإسلامية هي المصدر الذي يحرك دوافع النفس لتجيد في عملها، ولتصدق في قولها، ولتحسن في إدارتها، ولتمتنع عما تدعوه إليها شهواتها.»

عاش وفيًا لبيعته ثابتًا على دعوته:
الحاج لاشين أبو شنب واحدٌ من رجالات الدعوة الأوفياء، وأحد فرسانها المغاوير الذين يصدعون بالحق في كل ميدان وعلى كل منبر، سواء في ميدان المساجد أو المدارس والمعاهد أو المحافل أو حتى تحت قبة البرلمان، ولذلك كان نصيبه من الأذى كبير على مر العصور، فقد اعتقل أكثر من خمس مراتٍ منذ عصر الملك فاروق، وحتى عصر مبارك، ولم يسلم بالرغم من شلله ومرضه، وعمره الذى تجاوز الـ90 عامًا من مطاردة قوات أمن الانقلاب له في عصر السيسي، حيث تم اقتحام منزله أكثر من مره لاعتقاله، وظل الرجل وفيًا لبيعته ثابتًا على طريق دعوته إلى أن توفاه الله في 25/ 9/ 2014م الموافق 30 ذو القعدة 1435هـ. رحمه الله رحمة واسعة، وتقبل جهده وجهاده، وجعله في موازين حسناته، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا.
———————
• وُلد الأستاذ لاشين أبو شنب في 25 يونيو 1927م في شبين الكوم- محافظة المنوفية – مصر.
• حصل على الثانوية الأزهرية ثم ليسانس دار العلوم جامعة القاهرة عام 1953م.
• حصل على دبلوم المعهد العالي للتربية سنة 1954م.
• التحق بـ(الإخوان المسلمون) عام 1940م.
• كان مسئولًا عن المعهد الأزهري بشبين الكوم، ثم مسئولًا عن (الإخوان المسلمون) بالزقازيق، كما شارك في الحركة العمالية.
• دخل السجن بعد حرب 1948م بين العرب والكيان الصهيوني.
• سافر إلى الكويت عام 1960م للعمل كمدرس لمادة اللغة العربية لمدة ثلاث سنوات، ثم إلى السعودية للعمل في جامعة (محمد بن سعود) لمدة أربع سنوات.
• قُبض عليه في سبتمبر 1981م متهمًا بالهروب من حكم غيابي بـ 15 سنة، وسُجِن ثم أُطلِق سراحه بعفوٍ عامٍ من الرئيس حسني مبارك.
• تمَّ القبض عليه مرتين، حُوكم في أحدهما في المحكمة العسكرية التي حكمت ببراءته.
• له سبعة أبناء، وأربعة وعشرون حفيدًا.
• توفاه الله في 25/ 9/ 2014م الموافق 30 ذو القعدة 1435هـ.