معالي الأمور وعظائم الجهود – د. محمد حامد عليوة

معالي الأمور وعظائم الجهود – د. محمد حامد عليوة
«أمور الحياة وأحوال المعاش ستمضي وتنتهي بحُلوها ومُرها، فاعطها حقها ولا تغرق نفسك في تفاصيلها، أو تستهلك قواك الحَيّة في مآلاتها، وركز في معالي الأمور وعظائم الجهود؛ التي تترك بها أثرًا نافعًا وذكرًا حسنًا».

فلقد ربى النَّبيّ ﷺ أصحابه وأمته على الهمة العالية وطلب المعالي والسعي إلى المراتب الجليلة، فهو القائل لمعاذ بن جبل: «فإذا سَأَلتُم اللهَ فاسأَلوه الفِردَوسَ».(1) وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: قال رسول الله : «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها». (2)

ومعالي الأمور: هي الأمور الجليلة، رفيعة القدر عالية الشأن، والتي تُعلي شأنَ أصحابها في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعا.
وسفساف الأمور: هي التوافه، والأمور الحقيرة والدنيئة من الأقوال والأعمال والمطالب والاهتمامات.

فالأمل لا بد له من العمل والمعالي لا تنال بالأماني، ولكن تُنال بالمعالي من الهمم والمطالب، فلقد حاز سيدنا أبو بكر الصديق الأفضلية والمكانة في الأمة؛ لأنه كان أعلاهم همةً وأحسنَهم عملًا. وهذا ربيعة يقول لرسول الله : أسألك مرافقتك في الجنة، فقال : «أعني على نفسك بكثرة السجود.»

وطريق الوصول إلى الأماني والمطالب لا يمكن العبور عليه إلا بالتعب والمشقة والتضحية من أجل دوام السير وتمام الوصول. قال الإمام ابنُ القيم – رَحِمَهُ اللهِ -:
«المصَالِحُ والخَيرَاتُ واللَّذَّاتُ والكَمَالاتُ كُلهَا، لا تُنَالُ إلَّا بِحَظٍ مِن المَشَقَّة، ولا يُعبَر إلَيهَا إلَّا عَلى جِسرٍ مِن التَّعَبِّ».(3) وقال أيضا – رحمه الله: «استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب، ولا يُدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر وتحمل المشاق».

وعلو الهمة دليل على نفسية صاحبها وفطنته وكياسته، أما الأماني الجوفاء فهي لغة العاجزين المفلسين، ففي الحديث: عن أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْن أَوْسٍ عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: «الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ». رواه التِّرْمِذيُّ

(1) رواه الترمزي وبن ماجة بسند صحيح.
(2) رواه البيهقي في شعب الإيمان، والطبراني في المعجم الأوسط بسند صحيح.
(3) مِفتَاحُ دَارُ السعَادة (2 / 15).

اترك تعليقا