نداء مُحب من أعماق القلب– بقلم: د. محمد حامد عليوة
إن لغة القلوب أبلغ أثراً في النفوس، فحينما يُنادي القلب فإن صوته يتجاوز الآذان ويصل إلى أعماق النفس وشِغاف القلب، فالقلوب الصادقة المؤمنة يخرج حديثها عبر اللسان فيُمتع الآذان، ويُصحح الآفهام، وتستريح له القلوب وتنشرح له الصدور.
يقول الإمام الحسن البصري -رحمه الله: «ما يخرج من القلب يخترق القلوب..وما يخرج من اللسان لا يتعدى الآذان».
والكلمات التي تلامس قلوبكم، اعلموا بأنها أوجعت قلب صاحبها قبل ذلك، لأن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب.!!. ورحم الله شهيد الظلال الأستاذ سيد قطب، حين عبر عن هذا المعني العميق في لغة القلوب، فقال: «ما من فكرة عاشت إلا وقد إقتاتت من قلب إنسان». فالكلام الحيّ يخرج من قلب حيّ عاش هذه المعاني وتأثر بها أولاً، ولذلك حينما ينطق بها اللسان فإنها تنطلق بحيويتها إلى قلوب من يسمعها.
واليوم نقف مع نداء ثمين من داعية صادق وعالم عامل -نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله-، مع فضيلة الشيخ: حجازي إبراهيم ثُريا -حفظه الله- وهو من علماء الأزهر الأكارم.
يقول فضيلته:
«أيها الأخ الحبيب:إن الطريق طويلة، والمشاق كثيرة، والعقبة كؤود، ولا يقدر على اجتيازها إلا من تدرَّع بالفهم والإخلاص والصدق والعمل المتواصل المصحوب بالجهاد والتضحية، في ظل الجماعة، موفقًا إلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وكل ذلك ممزوج بلحمه ودمه، لا ينفك عنه حتى يلقى الله تعالى، وهو ثابت على العهد، لا يقيل ولا يستقيل.
ولا يبلغ الأخ مبلغ أصحاب الدعوات حقًّا إلا إذا كان متحليًا بلباس التجرد، وإنكار الذات وهضم النفس، وزيّن ذلك بحفظه لحق الأخوَّة وحسن الظن بهم، والثقة التامة في قيادته وإخوانه.» إنتهى كلام الشيخ حجازي ثُريا – حفظه الله
وللتعقيب على هذا النداء أقول:
فعلاً.. هو نداء من القلب، القلب الذي تشعر معه بفيض من الربانية والروحانية، والارتباط بالحق، وصدق الانتماء لدعوة الحق. إنها كلمات قليلة، لكن تحمل معاني كثيرة لمن يسلكون طريق أصحاب الدعوات.
وهذا هو شأن القلوب الموصولة بالله -ولا نزكي على الله أحداً- فهي قلوب تحيا بين الناس وهي معلقة بالآخرة، تدور مع الحق حيث دار، ترى حياتها وسعادتها على طريق ربها، وترى واجبها أن تحيا مهمومة بدعوتها، واثقة بطريقها ومنهجها وقيادتها.
هي قلوب العاملين، التي فيها روح المجاهدين المرابطين بكل ثغر من ثُغور هذا الدين، قلوب تسكن في أبدان لا تعرف السكون والراحة في هذه الدنيا، لأنها ترى الراحة الحقيقية عند أول قدم في الجنة. لذلك تراها دائماً -هذه القلوب الحيّة- تحمل أصحابها على البذل والعمل، لأنهم بنفوسهم القوية وقلوبهم الحية يكرهون السكون والعجز.
وقد عبر الإمام الشهيد حسن البنا -رحمه الله-، في كلمات بليغة موجزة عن سمات الشخصية المجاهدة التي تحمل قلباَ حياَ وعزماً فتياً، فقال -رضي الله عنه-:
«أستطيع أن أتصور المجاهد شخصاً قد أعد عدته، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحى نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الإهتمام، على قدم الاستعداد أبداً، إن دعي أجاب وإن نودي لبى، غدوه ورواحه، وحديثه وكلامه، وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذى أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التى وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد فى سبيلها، تقرأ فى قسمات وجهه، وترى فى بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه، ما يدلك على ما يضطرم فى قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة.»(1)
لنتأمل صفات المجاهد التي أوردها الإمام حسن البنا فى مقاله (أمة فى ميدان الجهاد)، .. يا لروعة الحديث، وجزالة الألفاظ، وعمق المعاني، وشمول الصفات، ودلالة الإشارات.
نحن بحاجة إلى أن نعيش هذه المعاني، ونتمثل هذه الصفات العليا بقلوبنا وعقولنا وسلوكنا.. نعم، بحاجة ماسة إلى مراجعة أنفسنا وخططنا وبرامجنا التي تتلمس هذه المعاني فينا، فتبنيها وتُقويها وتحميها، وما ذلك بمستحيل، فقد سبقنا -ويعيش بيننا- من يحمل هذه الصفات.
فشمروا أيها الأحبة عن سواعد الجد، وخذوا أمر دعوتكم بعزم، فليس في الوقت متسع، واللبيب من أخلص وعمل، وضحى وبذل. والحمد لله رب العالمين
——————–
(1)المصدر:من مقال بعنوان: (أمة فى ميدان الجهاد)، للإمام حسن البنا – رحمه الله – نشر فى جريدة الإخوان المسلمين، العدد (18) بتاريخ 14 جماد أول 1354هـ ،الموافق 13 أغسطس 1935م .