نظرات في تُراث الإمام حسن البنا (8)

ركائز فكرتنا – بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة

استكمالا لسلسة (نظرات في تراث الإمام حسن البنا) نقف اليوم مع مَعلَم من مَعَالم منهج الإخوان المسلمين، وركائز ثلاث تقوم عليها فكرتهم، وهو ما سطره الإمام حسن البنا وختم به رسالته القيمة، رسالة: (دعوتنا)، فكتب – رحمه الله تعالى – تحت عنوان: (أركان ثلاثة تدور عليها فكرة الإخوان)، فقال:

«أما الوسيلة التى وعدتكم بالكلام عليها فهي أركان تدور عليها فكرة الإخوان:
أولًا: المنهاج الصحيح: وقد وجده الإخوان في كتاب الله، وسنة رسوله، وأحكام الإسلام حين يفهمها المسلمون على وجهها غضة نقية بعيدة عن الدخائل والمفتريات، فعكفوا على دراسة الإسلام على هذا الأساس دراسة سهلة واضحة مستوعبة.
ثانيا: العاملون المؤمنون: ولهذا أخذ الإخوان أنفسهم بتطبيق ما فهموه من دين الله تطبيقا لا هوادة فيه ولا لين، وهم بحمد الله مؤمنون بفكرتهم، مطمئنون إلى غايتهم، واثقون بتأييد الله إياهم ما داموا له يعملون، وعلى هدي رسوله يسيرون.
ثالثا: القيادة الحازمة الموثوق بها: وقد وجدها الإخوان المسلمون كذلك، فهم لها مطيعون، وتحت لوائها يعملون». (1)

الفوائد الدعوية والتربوية:

1- ربانية منهج الإخوان المسلمين، وأنها دعوة ترتبط في مبعثها ومقصدها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ، ويري الإخوان في التمسك بهما – القرآن والسنة – سبيل الهداية والرشاد، مصداقا لقول رسولنا الكريم :«تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتي». وهذا ما يؤكد عليه الإمام البنا في مواضع عدة من رسائله وكتاباته، فنراها ينادى في القوم بهذه الحقيقة فيقول: «يا قومنا إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا، نناديكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وهدي الإسلام». رسالة إلى أي شيئ ندعو الناس.

2- إن الإخوان المسلمين قوم عمليون، ينطلقون وفق هذا المنهاج الصحيح إلى ميادين العمل والجهاد، يؤمنون أن العمل الصالح قرين الإيمان الصادق، ولذلك انطلقوا بدعوتهم الشاملة في كل مكان وميدان من خلال فهمهم الشامل للإسلام الذي يتناول مظاهر الحياة جميعا، إنطلقوا بشعارهم الخالد ومبدئهم الراسخ (نحن قوم عمليون)، وهو النداء الذي سطره الإمام الشهيد كعنوان لإحدى رسائله القيمة، انطلقوا لساحات العمل بعيدًا عن المراء والجدل، مقتدين بهدي رسولهم الأمين ، الذى قال: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل».

3- أن من أهم سمات أبناء هذه الدعوة كما هو واضح في هذا التوجيه القيم أنهم (مؤمنون بفكرتهم – مطمئنون إلى غايتهم – واثقون بتأييد الله إياهم)، وهذه السمات والخصائص مبعثها أمرين، الأول: دوام العمل لله، والثاني: السير على هدي رسول الله . والمتأمل في هده السمات والخصائص يجد أنها حالة قلبية باعثها الإيمان بالله تبارك وتعالى، لأن الإيمان إذا استقر في قلب العبد رزقه الله الإطمئنان واليقين والثقة بوعده سبحانه.

وقد تجلى ذلك في توصيف الإمام البنا للركن الثانى الذي تقوم عليه دعوة الإخوان المسلمين بـ (العاملون المؤمنون).

4- أن الدعوة الموفقة هي التي تُوهب القيادة الربانية القدوة، القيادة التي تتعبد إلى الله بمسئوليتها وقيادتها، القيادة التي تستوعب الصف وتعايشه، وتعينه على السير الصحيح والسلوك القويم على طريق الدعوة، قيادة تري في تقدم الصفوف أمانه وتبعه، ومغرم لا مغنم، قياده تبث الحب والإخاء بين جنودها، قيادة تثق في أتباعها وتستحق أن تنال ثقتهم، قيادة حازمة في المواقف الفاصلة. وبفضل الله لم تُحرم جماعة الإخوان من هذه القيادة، لأنها دعوة الله، يختار لها ما ينفعها ويناسب مرحلتها، والتاريخ خير شاهد.

والثقة من ركائز الدعوة، وأحد مصادر قوة البناء النفسي والتنظيمي للصف المسلم، وهي من ثمار الأخوة الصادقة والحب في الله، والقيادة الموثوق بها لا تتحقق إلا بروح الثقة المتبادلة بين القادة والجنود، وبقدر الثقة المتبادلة بين الأفراد تكون قوة الصف، وبقدر ثقة الصف في قيادته تكون قوة الجماعة، وما أحوجنا بعامة – وفي هذه الأيام بخاصة – إلى أن نعرض أنفسنا على ركن الثقة وما فيه من إشارات ومعانٍ.

وقد أكد الإمام البنا على ذلك في رسالة التعاليم حيث قال: «وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات»، فالثقة شعور متبادل يحرص القائد والمربي أن يحققه في نفسه ويربي عليه إخوانه.

5- بالنظر في هذه الركائز الثلاث، نستطيع أن نقول أنها متكاملة متعاضدة لا تنفك عن بعضها، ولا يمكن لجماعة أو هيئة أن تقوم دون واحد من هذه المقومات والركائز (صف – منهاج – قيادة)، وبالتالي في السلوك الجماعي لا يصح أن يُقبل أحداها ويُهمل غيرها، بمعني؛ قد يقول قائل: ليست عندى مشكلة في صحة المنهج ولكن لا أستطيع العمل مع هذه القيادة، أو يقول آخر كسابقه: أنا موقن بصحة المنهج وواثق في القيادة لكن ضعف هذا الصف وقلة فاعليته تجعلني أفكر كثيراً في العمل مع غيره أو عدم التعاون مع أعضائه لتوجسات أو تخوفات أو ظنون أو غيرها من الصوارف ..الخ.

وهكذا لابد من أن تستوفي هذه الأركان حقها من البناء والتكوين والتلاحم والتعاضد، حتي تستمر الجماعة في حركتها وتواصل رسالتها، وأي خلل أو فصل أو حلحلة بين هذه الأركان والركائز فإن الأثار كبيرة والنتائج وخيمة على العمل الجماعي. 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

———————————
(1) المصدر: (رسالة دعوتنا) للإمام حسن البنا، رحمه الله، 20 من المحرم 1354هـ، الموافق 23 من أبريل 1935م.

اترك تعليقا