هذا وعد الله الحق – د. محمد حامد عليوة

هذا وعد الله الحقد. محمد حامد عليوة

لقد مضت سُنة ربنا العلي الكبير من قبل، وتمضي من بعد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أنه:
ما صدع أحد بالحق وجهر به، ودعا الناس إليه إلا أوذي، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)﴾ سورة محمد. وقد قضى ربنا وقدَّر أن تكون العاقبة للمتقين والنصر للمؤمنين، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاْشْهَـدُ (51)) سورة غافر. وكتب وقضى أن تكون الغلبة لله ورسله، (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)) سورة المجادلة

وكلنا أمل وثقة في وعد الله الذى لا يخلف وعده، أن يندحر الباطل وحزبه، وينتصر الحق وأهله، وما نراه اليوم من حرب على أهل الحق ما هو إلا تهيئة وتَقدِمَة لنصر قريب، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز 40)) سورة الحج
فاعملوا وأبشروا، واعلموا أنكم ما دمتم على الحق، فالله معكم ولن يتركم أعمالكم، (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آل عمران 126.

(وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقًّا)
الله سبحانه وتعالى قضى وقدّر، ووعد ووعده الحق، بالتأييد والتمكين لعباده المؤمنين، ما أطاعوا ربهم واتبعوا نبيهم وتمسكوا بدينهم وثبتوا على طريقهم.
ووعدهم سبحانه أن يستخلفهم في الأرض لإصلاحها وحمل لواء الخير فيها كما استخلف الذين من قبلهم، وهذا التمكين وهذا الاستخلاف سيكون مهما كانت المواجهة مع الباطل، ومهما عظمت التضحيات، ومهما كثرت الخطوب والملمات، ومهما طالت الأزمان وتعاقبت السنوات.
قال تعالي: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)) [سورة النور]

هذا وعد الله الحق

وهذه بُشرى رسول الله
تأملوا في حديث الصادق المصدوق ، وهو يسوق لنا البشرى بالعز والنصر والتمكين لهذا الدين.
– عن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ* ولا وَبَرٍ* إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر».(1)، وكان تميم الدَّاري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرُ والشَّرَف والعزُّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذُّل والصَّغَار والجِزْية.
– وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلَّا أدخله الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها».(2)

دعوتكم نافذة غالبة قاهرة ظاهرة
وها هو الإمام حسن البنا يبشر الدعاة وحملة لواء الحق، ويطمئن قلوبهم بوعد الله الحق، ويؤكد على أن دعوة الحق نافذة غالبة قاهرة ظاهرة، لأنها تمتلك شروط الغلبة والظهور، وفي مقدمتها تأييد الله لها، فيقول – رحمه الله: «أيها الإخوة الفضلاء: أمّلوا الخير ولا تيأسوا، ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾، ولا يقنط من رحمة الله إلا الضالون، ودعوتكم نافذة غالبة قاهرة ظاهرة، وإنما تغلب الدعوات وتظهر إذا توفرت لها أربعة أمور: أن تكون حقًا في ذاتها، وأن يقوى إيمان المؤمنين بها، وأن يكون الناس في حاجة إليها، وأولًا وأخيرًا أن يُؤيدها الله تبارك وتعالى وتكون مظهر إرادته، وأثر قدرته ورحمته. ودعوتكم – أيها الإخوة – هي أظهر الدعوات في هذه الأسباب جميعًا، والحمد لله رب العالمين».(3)

فيا أيها الأحبة: في وسط هذه الظلمة العاتمة والأمواج المتلاطمة التي تحيط بنا وبدعوتنا، ثقوا بِمَا قدّر ربنا وكتب، وأيقنوا بما قضى مولانا ووعد، واستمروا في بذل الجهد واستفراغ الوسع، واثبتوا على دعوتكم ونهج نبيكم، وسيأتى الفرج من حيث لانحتسب، ويقولون متى هو؟ قل: عسى أن يكون قريبا.
وتيقنوا أن يد الله تعمل، وأنه سبحانه يدبر الأمر، وأن وعده حق وقوله صدق، ولقد سبقت كلمته بنُصرة رسله وغلبة جنده. (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)) (سورة الصافات)

المهم في الأمر بعد اليقين بوعد الله الحق: هل نحن سترنا قدرة الله؟ بصلاح وطاعة نستحق بهما النصر، وجهد وبذل نستفرغ بهما الوسع، ووحدة ولُحمة نقوي بهما الظهر.

وسُنن الله في الدعوات تؤكد، ودروس وعبر التاريخ تقول:
– إن الحق منتصر.
– وإن الباطل مندحر.
– وإن الصبر عاقبته النصر.
– وإن الثبات من شيم الرجال.
– وأن العاقبة للمتقين والنصر للمؤمنين.
اللهم طهر قلوبنا، واجمع شملنا، ووحد صفنا، وقوي ظهورنا، ورد عادية الظالمين عنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

———————
* بيت مدر: البيت المبني بالطين الصلب. * بيت وبر: البيت المصنوع من الصوف أو الشعر، (كالخيام وغيرها)
(1) رواه أحمد (4/103) (16998)، والطَّبراني (2/58) (1280)، والحاكم (4/477)، والبيهقي (9/181) (19089).
(2) رواه أحمد (6/4) (23865)، والطَّبراني (20/254) (601)، وابن حبان (15/91) (6699)، والحاكم (4/476)، والبيهقي (9/181) (19089).
(3) المصدر: من كلمة الإمام حسن البنا في حفل المركز العام بالقاهرة، 5 سبتمبر، 1948.

0 Comments to “هذا وعد الله الحق – د. محمد حامد عليوة”

اترك تعليقا