(1)وللدعوة هدهدها. أيها الداعية الى الله.. هل لك من فتح يفتح الله به عليك؟ كن هدهداً كهدهد سليمان.. امتلك زمام المبادرة.. بادر وكن ايجابياً.. تحرك بدافع الذاتية. اجعل همك في دعوتك.. تجاوز الحدود الضيقة التي تحبس نفسك بداخلها.. ميدانك رحب فسيح. اسبح في الكون كله.. قف على الابواب والطرقات.. الحظ من حولك.. ستجد من يحتاج اليك. قالها لك الامام حسن البنا – رحمه الله -: «سيروا في القرى وطرقات الأرياف مرة في اليابس ومرة في الطين، وخالطوا هذا الشعب المؤمن وعندها يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين».
استمعوا إليه وهو يناديكم ويُوصيكم، في وصيته الجامعة الرائعة عقب المؤتمر الخامس للدعوة (1357 هـ – 1939م)، حيث قال – رحمه الله -: «انشروا الفكرة في كل محيط يتصل بكم، في الحوانيت، والشوارع، والبيوت، والمساجد، والمقاهي، والمجالس العامة والخاصة، وفي القري والريف والمدن والعواصم، وفي المصانع والمعامل، والحقول والمدارس. واجمعوا قلوب الناس جميعا على كتاب الله وتحت لواء محمدﷺ، أفضل خلق الله أجمعين ورحمة الله للعالمين، فلواؤه لواء الحمد، وشرعته منهاج الرشد، وهديه أفضل الهدى، ومن استظل بظله وسار تحت رايته فاز في الدنيا بالنصر(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)(الحج من الآية 40)، وفاز في الآخرة بالأجر(يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ)(التحريم من الآية 8). واجعلوا في كل شارع جماعة إخوانية، وفي كل قرية كتيبة قرآنية، وفي كل مدينة راية محمدية، وفي كل فج من الفجاج أخ يهتف بمبادئكم ويتنادى بتعاليمكم، ويعلي كلمتكم، ويبايع بيعتكم، ويجهز نفسه ليمثل مكانه في الصف، وإن يوم النداء لقريب».
كم من أمة، وكم من منطقة، وكم من حارة، وكم من نفوس، وكم من قلوب، تحتاج الى هدهد سليمان؟ يكون سبباً في هدايتها. كن ذاك الهدهد.. انطلق.. سارع.. سابق.. بادر.. الميدان أمامك. احمل الدعوة بين جنبيك.. والقلوب متفتحة لك.. والنفوس عطشى لما بين يديك.. فلا تتقاعس عن رؤية ما رأه الهدهد، كما فعل عفريت الجن والذي عنده علم من الكتاب.
(2)مكانة الديك في دعوتنا أيها الداعية كن كالديك! نعم.. كن أيها الداعية إلى الله كالديك فـــــي دعوتك. فهو يحتاج اليه الناس. يسعى جاهداً لهم يبشرهم في ظلمة الليل الدامس بقرب طلوع الفجر. فكن ذاك المبشر.. ينادي في القوم في شدة حلكة السواد واجتماع الهموم على العباد وما أكثرها. ينادي فيهم أن زوال الهموم والآلام قد اقترب. فكن ذاك المفرج للهموم والباعث للأمل في النفوس. فكم من غافل ينتظر انتباهة على يديك؟ وكم من نائم ينتظر يقظة من نومه بفضلك؟
فلا تيأس أخي الداعية اذا هجم عليك ظلام الليل. فاصبر كما صبر الديك حينما أُسدل عليه ستار الظلام. وانتظر حتى ترى بياض الفجر وهو آت باذن الله. حينئذ أبشر وبشر الناس معك بأن الغمة قد زالت. ونادي في النهار أيضا، بأن الوقت غال وثمين، فلا تذهبه سداً. بل طالب الناس بأن يغتنموا الأوقات الصالحات، وان يستبقوا الخيرات قبل حلول الظلام، لعلها ساعة الوداع لنهار الحياة.
(3)وللصيد فنون أيها الداعية.. اذا أردت ان تصيد، فالقلوب مهيئة، والنفوس قد نزلت الميدان، ومعركتنا معركة تربوية، والكل يسابق للفوز، وأنت تحمل أسمى غاية لأجمل دعوة. كسب القلوب طريقنا، والبسمة أول الطريق، وسهامها لا تخيب، فهي صدقة،. ولكنها أيضا تفتح مغاليق القلوب. ويأتي بعدها سلام شديد، تتجلى فيه حرارة الحب في الله، ويسري فيه نبض المحبة الإيمانية. ثم أتبع ذلك بأجمل الكلمات، وانتقي أطايب الكلام المبشر بالخير «بشروا ولا تنفروا يسروا ولا تعسروا». وللوقفة في المدلهمات دور عظيم في تحقق الصيد ونجاحه.
فُك أخي الداعية لصيدك ضائقة أصابته، عالج له أزمة، يسر له عسراً نزل به، امش معه في حاجة مهمة له، اسع لخدمته بكل ما لديك من وقت وجهد وطاقة، أنت بذلك تملك قلبه رويداً رويداً. ولا تنس.. أن تُعلي من شأنه. استشره في بعض أمورك. احترم رأيه. صوب قوله. أبرز رجاحة عقله. عرف به من هم في حضورك. سلط عليه أضواء المعرفة. افتح له باباً للولوج منه الى ميدانك الرحب. ودعوتك الحبيبة. حينئذ فقد وضعته في جيبك وملكت عليه قلبه. وختاما هنيئاً لك فقد وقع في شراك صيدك الدعوي، وانضم الى قافلتك المباركة.
(4)كن صاحب دعوة ولودة نعم أيها الداعية إلى الله .. أريدك أن تكون داعية ولوداً. قد تكون أخي الداعية ممن يملك الكلمة المؤثرة، أو ممن يحرك القلوب المتحجرة، وممن يهز المنابر، وممن يلتف حوله المستمعون وقت الحديث. وفي كلٍ خير ولكن.
الدعوة الولودة تحتاج الى داعية صاحب هم، قادر على التوريث الدعوي. انه الداعية الذي كل همه أن يلد داعية مثله، يحمل رايته من بعده، يواصل مسيرته، يسير على طريقه ومنهجه.
فكن أخي الداعية ذاك الرجل، الذي يحمل دعوة النور للعالمين. فامتلك أخي الداعية مقومات التوريث، وكن صاحب سجل للخلود، وكن صاحب أثر. (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ). فيا أيها الداعية إلى الله، في الناس كثير من نجباء القوم، ومن الرواحل، وممن توفرت فيهم صفات الرجولة الحقة، ابسط لهم يديك، أغدق عليهم من علمك، وأكسبهم من خلقك وأدبك.
عش بهم في ظلال الدعوة الوارفة، انهل لهم من معينها، أشربهم مشاربها العذبة، أفض عليهم من سلسبيلها الرقراق، حتى يقوى عودهم. حينئذ يخرجون الى الكون دعاة وارثين. وأبناء مطيعين لك ولدعوتك، حاملين راية الحق المبين، مساندين لجهدك، مباركين لعملك، فاتحين لدعوتك.
هذا هو نسب الابناء عن الاباء في دعوتنا المباركة، ولا تنسى أن في العقم يُتم، فلا تقبل لدعوتك أن تكون يتيمة أو عقيمة.
(5)سفينة الإخوان يقول الشيخ حسن عليان – رحمه الله – أحد رجال الرعيل الاول في الجماعة: «الإسلام اليوم مثل سفينة تريد العبور بمَن فيها إلى البر، وعلى سطحها تجد الربّان والملاّحين وكل معاونيهم، كما ستجد مسافرين تحملهم السفينة ولا يفعلون شيئًا، أما في باطنها فستجد من يشغّلون محركاتها ويدفعونها لتمضي إلى الأمام، ورغم أهمية كل الأدوار والحاجة إليها إلا أنه يبقى الأعظم هم أولئك الذين قد لا تشعر بهم وأيديهم ملطخة بالشحم، ولكنك فقط ترى صنيعهم في مضي السفينة دومًا للإمام». والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل .. والله أكبر ولله الحمد