
وقفة مع فقه النصح والتذكير
- zadussaerinweb@gmail.com
- أكتوبر 21, 2020
- التربية الدعوية
- 0 Comments
وقفة مع فقه النصح والتذكير د. محمد حامد عليوة
قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات: 55).
مما نقرأه في هذه الآية الكريمة من معاني ولمحات؛ أن الله سبحانه وتعالى لم يحدد هُوية أو نوع أو مكانة أو سن أو مهمة من يستحق التذكير أو من يقوم به، تأكيداً على أن التذكير مهمة الجميع للجميع، فلا يتراجع أحد عن أداء مهمة التذكير بحجة صغر سنة، أو قلة علمه، أو عدم مقدرته، أو ضآلة موقعه.
في ذات الوقت لا يأنف أحد من سماع التذكير مهما كانت خبرته أو موقعه أو مكانته أو سنه أو علمه، فكلنا بحاجة إلى الانتفاع بالتذكرة، ولا ينتفع بها إلا المؤمن الذي تعلق قلبه بربه.

ذكر الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره: والتذكير نوعان:
النوع الأول: تذكير بما لم يُعرف تفصيله، مما عُرف مجمله بالفطر والعقول، فإن الله فَطر العقول على محبَّة الخير وإيثاره، وكراهية الشر والزهد فيه، وشرعه موافق لذلك، فكل أمر ونهي من الشرع فهو من التذكير، أن يذكر ما في المأمور من الخير والحسن، وما في المنهي عنه من المضار.
النوع الثاني: تذكير بما هو معلوم للمؤمنين، ولكن انسحبت عليه الغفلة، فيُذَكَّرُون بذلك، ويُكرَّر عليهم؛ ليرسخ في أذهانهم، وينتبهوا ويعمـلوا بما تذكروه من ذلك، وليحدث لهم نشاطًا وهمَّةً، توجب لهم الانتفاع والارتفاع.
ثم قال رحمه الله: وأخبر الله أن الذكرى تنفع المؤمنين؛ لأن ما معهم من الإيمان والخشية والإنابة، واتباع رضوان الله، يوجب لهم أن تنفع فيهم الذكرى، وتقع منهم الموعظة موضعًا كما قـال تعـالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ (الأعلى: 9 -11)[1].
ومن فقه النصح والتذكير إختيار الوقت والمكان المناسب لذلك؛ حتى يُؤتي التذكير أكله ويحل نفعه، ويلزم المُذكر أيضاً أن يراعى أحوال ونفسيات من يقوم بتذكيرهم، فذلك أعظم أثراً وأجدى نفعاً. ومن فقه التذكير أن يُخلص المُذكر نيته ويحرر قصده من أي هوى، فذلك أرجى سبيل لحصول التأثر بما ذكَّر الناس به، ووقع الكلام موقع التأثير في النفس. فمن أقبل على الله بقلبه أقبل الله بقلوب العباد عليه، وأصبح لقوله فيهم الأثر البالغ والفعل النافع والتوجيه الدافع.
ومن الفقه في هذا الباب أيضاً: الالتزام بآداب النصيحة لإخواننا، ولنتذكر وصية فضيلة الأستاذ مصطفي مشهور -رحمه الله- حين كان يقول لإخوانه: «قدم النصيحة على أكمل وجه وتقبَّلها على أي وجه».
[1] السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 755.